اسليدرالتقارير والتحقيقات

مسارات أزمة حوض النيل وسبل إنفراجها وريادة مصر أفريقيا

تقرير : نهلة المحروقي

واجهت السياسة الخارجية المصرية أزمة حقيقية في منطقة حوض النيل منذ نحو عقدين ونصف من الزمن، أي منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين ومازالت الازمه مستمرة ، ومنطقة حوض النيل هي منطقة المصالح المصيرية الدائمة للدولة المصرية، حيث تشتمل على

أولا حقوق مصر ومصالحها في مياه النيل وهي أكبر واهم المصالح المصرية على وجه الإطلاق،

وتتمثل أساساً في حصة مصر السنوية الطبيعية والتي تقدر بـ55,5مليار متر مكعب في المتوسط،وهي مقننة باتفاقيات دولية،وخاصة مع السودان

ثانيا الاستقرار السياسي في السودان ويمثل أحد العوامل الرئيسية للأمن القومي المصري؛

وقد تطلعت مصر لأن تظل السودان دولة موحدة، وأن تنتهي الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، غير أن الأوضاع الداخلية والدولية دفعت لانفصال واستقلال الجنوب السوداني في عام 2011م، وهناك ثمة تهديدات أخرى بتفتيت السودان وعدم استقراره، وهو أمر يؤثر حتماً على المصالح المصرية في الجنوب، وعلى أمن مصر ذاتها، وعتى إمكانيات التنسيق بشأن التفاوض مع دول حوض النيل في أعالي النيل.

ثالثا استقرار الملاحة في البحر الأحمروقناة السويس وهي مصلحة كبرى للأمن القومي المصري،وتؤثر دول حوض النيل والقرن الإفريقي بشكل واضح على طريق الملاحة خاصة (إريتريا والسودان وكذلك جيبوتي والصومال وكينيا … الخ).

مع بداية التسعينيات تراجعت الدائرة الإفريقية في أولويات السياسة الخارجية المصرية، حيث انشغلت السياسة الخارجية المصرية بدوائر الحركة الإقليمية الجديدة، والتي ظهرت مواكبة للمشروعات الإقليمية التي طرحت نفسها

رغم أن المبادرات الإقليمية لم تتوقف في إفريقيا منذ استقلال دولها، ورغم التعاطف الشديد مع “الإقليمية” في التسعينيات، فيما يعرف” بالإقليمية الجديدة، “ومع وجود 14 تجمع إقليمي في القارة الإفريقية حالياً

ورغم ان احواض الانهار فى افريقيا والتى تبلغ نحو 51 حوضا قد دخل بعضها فى مرحلة التعاون المؤسسى ( 12 حالة بنسبة 23% )، إلا أن دول حوض النيل الإحد عشر (الآن) لم تنضم في تجمع إقليمي مؤسسى واحد،

كما لم يسبق أن تجمعت جميعها في تنظيم أو تجمع اقتصادي معين، اللهم إلا بعض أطر التعاون الفني المحدود وبعض المحاولات غير الناجحة وغير المكتملة لإقامة تعاون إقليمي مؤسسي

رابعا تراجع الدور الإقليمي المصري “التاريخي” وعدم تطوير نظرية جديدة للدور المصري في القارة وإذا كان الدور الإقليمي المصري في أفريقيا بدأ يتأثر منذ عدوان 1967، إلا أنه بدأ يتراجع بشكل واضح منذ منتصف التسعينيات،

بحكم عدة عوامل، منها أن القضايا المطروحة على الساحة لم تعد على نفس جاذبية وملاءمة قضايا التحرر الوطني والاستقلال ومناهضة العنصرية، وهي القضايا التي سيطرت على العمل الإفريقي منذ الخمسينات ولعبت فيها مصر دوراً قائداً ورائداً، فقضايا أفريقيا الجديدة تتعلق بالتنمية والتكامل الإقليمى والمديونية والمساعدات الخارجية أو قضايا الأمن والاستقرار وحل الصراعات، ومشكلات التحول الديمقراطي وقضايا التطرف الديني،

وهي قضايا كانت تحتاج ومازالت إلى تطوير نظرة أو نظرية للدور الإقليمي المصري من خلال العمل الجماعي العربي الأفريقي، والاهتمام بالريادة الثقافية خاصة في مناطق أفريقيا العربية والإسلامية، والتحرك بشكل واضح ومؤثر في مجال حل الصراعات وحفظ السلام، واستئناف دور الدولة “الرئيسي” أو المحرك للتعاون العربي الأفريقي بشكل مؤسسي، وهي مناطق التميز لدى الجانب المصري، حيث تتمتع مصر بميزة نسبية تنافسيه على الصعيد الإفريقي والعربي.

و كان لابد من بحث بدائل لتفعيل الدور الإقليمي المصري في القارة بصفة عامة، وحوض النيل بصفة خاصة، حيث لاحظنا ان الاتجاه المصري يتزايد نحو الانعزال والتركيز على الداخل، في ظل ما عرف “بدبلوماسية التنمية” التي طبقتها مصر في عهد الرئيس الاسبق مبارك، والذي أكد أكثر م مرة في خطابه السياسي على ذلك، متجاهلاً ان الأمن القومي المصري “طريق مزدوج”، وليس طريق ذو اتجاه واحد.

وقد أدى بنا ذلك إلى فقدان مكانتنا الأفريقية وقدرتنا على التأثير في الأحداث حولنا، وخاصة في مناطق المصالح الرئيسية، ولم يعد بالإمكان الاستناد على الرصيد التاريخي المصري الإيجابي وقت الأزمة في حوض النيل، بل ان المنافسين هم الدين يستخدمون التاريخ للنيل من المصالح المصرية والحقوق المصرية،

فرئيس الوزراء الإثيوبي الاسبق “ميليس زيناوي” كانت تصريحاته حول التذكير والتحذير مما أسماه “سياسات القرن التاسع عشر”، في إشارة إلى الدور التاريخي المصري في المنطقة، متجاهلا ان مصر احتفظت بعلاقات تاريخية ودية مع اثيوبيا ( الحبشه القديمة) ,

ولم تهاجم او تعتدى عليها , , بل ان اثيوبيا فى نفس التاريخ المشار اليه كانت تتوسع على حساب جيرانها من الاقاليم والجماعات المحيطة بها وهو ما ساهم فى تكوين دولة اثيوبيا الحديثة .

كما إن الرئيس الأوغندي “يوري موسيفني” وهو يخطب في عيد الاستقلال لبلاده في أكتوبر 2010 أشار بتركيز شديد على التجربة الناصرية، وإلى سجل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في موضوع تأميم قناة السويس و بناء السد العالي، وبعد أن اتجه إلى البنك الدولي الذي خذله،

ومن ثم لجأ إلى الروس أو السوفيت لبناء السد العالي الذي ينتج طاقة كهربائية ضخمة، وذلك كمرجعية للاتجاه الأوغندي إلى بناء سدود لإنتاج الكهرباء دون إذن من أحد, متجاهلا ان السد العالى يبنى على ارض مصرية ولا يؤثر سلبا ولا ايجابا على اى دوله بعد مصر,بل هو منقذ لمصر من الفيضانات العاليه والمنقطعة لسنوات , اى المغرقة والمهلكة للمصريين طوال التاريخ .

خامسا ترك السودان وإهمال شعار “وحدة وادي النيل”:

بحكم العمق والامتداد السوداني داخل الدائرة النيلية ومنطقة القرن الأفريقي، فقد كفل الوجود المصري القوي داخل السودان كفل تاريخيا منذ تاسيس الدولة المصرية فى عهد محمد على حيث كانت حدودها مع الحبشة واوغندا ،

ويمكن أن يكفل فى حالة العلاقات المصرية السودانية القوية فى ظل وحدة وادى النيل أو التكامل المصرى السودانى الحقيقى بعد استقلال السودان , يمكن ان يكفل نفوذاً قويا لدول المصب في مواجهة مجموعة دول أعالي النيل وبصفة خاصة تجاه إثيوبيا ،

وعلى العكس فالوضع المتردي بين مصر والسودان يحرم مصر هذه الميزة الفائقة ومن ميزات أخرى.

سادسا النظرة “الاستعلائية” والبعد الثقافي في العلاقات:
ثمة أخطاء وقعت فيها السياسة المصرية في مخاطبة شعوب دول حوض النيل، وخاصة الإثيوبيين، سواء كان على مستوى التفاوض او على مستوى ردود الأفعال أثناء الأزمات، أو حتى على مستوى استجابة المؤسسات العلمية والثقافية والإعلامية،

وعلى المستوى الشعبي بوجه عام، الأمر الذي تمخض عنه ردود أفعال على نفس المستوى من الجانب الآخر.

فلم يدرك المسؤولون المصريون في مراكز صنع القرار، سر الحساسية المفرطة لدى الإثيوبيين مثلاً، وكذلك دول حوض النيل، من نبرة ما سمى التعامل “الاستعلائي” المصري الذي أضاف بعداً جديداً لما يسمونه مثلاً في إثيوبيا “سياسات القرن التاسع عشر”، والتحديدات المصرية التاريخية لهم او بمعنى ادق حولهم في (السودان، إريتريا، أوغندا، الصومال … الخ)،

كما لم يدرك الجميع في مصر مدى الحساسية الناجمة من أن مجموعة دول حوض النيل، والقرن الإفريقي تنقسم بشكل رئيسي بين أطراف أفريقية عربية (مصر والسودان)، ويمكن إضافة (الصومال وجيبوتي)، وأطراف أفريقية غير عربية (إثيوبيا – إريتريا – أوغندا – كينيا – رواندا – بوروندي – الكونغو الديمقراطية)، ويمكن إضافة جنوب السودان إليها الآن، كما لم يتم تفهم الحقائق الثقافية والعرقية والدينية التعددية المتمايزة والمتنافسة تاريخياً، وقد أحياها الصراع بين العرب وغير العرب في السودان.

صحيح أن المصريين ليسوا عنصريين تجاه لون البشرة، بالمفهوم الاصطلاحى, وصحيح أن المسيحية الأرثوذكسية انتشرت في إثيوبيا (الحبشة القديمة) عن طريق مصر في القرن الرابع الميلادي وتعززت العلاقات بين الكنيستين المصرية والأثيوبية،

وصحيح أن “الأحباش” تاريخيا حظوا بوضع مميز من المنظور الإسلامي على إثر هجرة المسلمين الأوائل للحبشة وإكرامهم، خاصة بعد حديث الرسول (عليه الصلاة والسلام) “اتركوا الأحباش ما تركوكم”، فلم تعتبر الحبشه أرض جهاد، إضافة للروابط الإيجابية بين مسلمي الحبشة وبين مصر عبر أروقة الجامع الأزهر ، ” رواق الجبرتية “رغم كل ذلك تم اختزال علاقتنا بإثيوبيا في المياه،

ولم نهتم منذ وقت طويل بتفعيل قنوات التبادل العلمي والثقافي بين البلدين، فمصر لديها عام 2012 53 جامعة مرشحة للزيادة، وزادت ىفعلا, وإثيوبيا لديها فى نفس الوقت 31 جامعة،

ورغم ذلك لا توجد اتفاقيات تعاون بين الجامعات المصرية والجامعات الإثيوبية منذ زمن طويل، حتى جامعة القاهرة ومعهد البحوث والدراسات الإفريقية كلية الدراسات الافريقية العليا حاليا , لا تربطه اتفاقيات تعاون، حتى مع جامعة “بحر دار Bahir Dar” في إقليم الأمهرا بما تحتويه من “مركز بحوث إدارة موارد بحيرة تانا”،

كما لم يتم حتى هذا التاريخ تفعيل “القوة الناعمة المصرية” متمثلاً في دور الأزهر الشريف ودور الكنيسة القبطية،

سابعا مؤسسات صنع القرار الخارجي تجاه دول حوض النيل (الرئيس والبيروقراطية)

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى