قتل النظام الإيراني عام 1988 آلاف السجناء السياسيين عن طريق الإعدام التعسفي وبإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء
هناك وجهان للواقع الإنساني، وجه أبيض ووجه أسود. الوجه الأبيض يشع بالخير والنبل والسمو، ويعكس المبادئ التي تخدم الإنسانية والتطور. أما الوجه الأسود فيقطر بالشر ويمطر بالخُبث واللؤم والعدوانية، ويعارض الحرية والتقدم وكل ما هو إنساني وحضاري. ولئن كان هناك اختلاف كبير بشأن تحديد الدولة التي تعكس الوجه الأبيض، فلا يوجد خلاف أو اعتراض على تحديد النظام الحاكم في إيران منذ 45 عامًا باعتباره الوجه الأسود للواقع الإنساني.
لم تتوقف جرائم وانتهاكات وتجاوزات الممارسات القمعية للنظام الديني الاستبدادي في إيران ولو لوهلة واحدة منذ تأسيسه. فهذا النظام المتعطش للقتل والإبادة والاستبداد ومعاداة الإنسانية عامة والنساء بشكل خاص، يجد في استمراره على نهجه الهمجي هذا بمثابة الدم الذي يسري في شرايينه. فيما يرى في الأجواء الإيجابية التي يتنفس فيها الشعب عبير الحرية وتحصل المرأة على حقوقها كاملة وتسود العدالة الاجتماعية في سائر أرجاء إيران، جوًا خانقًا يخنق هذا النظام ويقضي عليه قضاء مبرمًا.
لغة ومنطق النظام الإيراني الدموي المصدر للإرهاب والجريمة يمكن اختصارها بجملة موجهة للشعب الإيراني ولشعوب المنطقة والعالم: “أقتلكم كي لا تقتلونني”. ولذلك، فإن من يتابع الأوضاع في إيران يجد أن الاعتقالات ومصادرة الحريات والإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان ومعاداة المرأة وتصدير التطرف الديني والإرهاب للمنطقة والعالم مستمرة على الدوام ودونما توقف؛ لأنها تساهم في إبقاء النظام وتمنحه قوة الاستمرار.
النظام الإيراني، الذي يسعى دون كلل أو ملل لتلميع صورته ووجهه القبيح، يحاول من خلال قناع الإصلاح والاعتدال المزيف والواهي أن يخلط الأوراق والحقائق كي يحقق أهدافه وغاياته المشبوهة والمعادية ليس للشعب الإيراني فقط بل للإنسانية جمعاء. لكن ما يرتكبه من جرائم وانتهاكات ومجازر هي من البشاعة والدموية المفرطة بحيث لا يمكنه التستر عليها. ولهذا، فإن التقارير المختلفة الواردة بشأن الأوضاع في إيران تكشف عن الواقع المزري الذي يعيشه الشعب الإيراني تحت هذا النظام، والذي يمثل بحق وحقيقة الوجه الأسود للواقع الإنساني بكل ما للكلمة من معنى.
في هذا السياق، فمن المفيد جدًا التنويه بالتقرير الأخير الذي نشره جاويد رحمان، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران. يتناول التقرير عمليات الإعدام الإجرامية في إيران في عامي 1981 و1982 ومذبحة عام 1988، ويقع في 60 صفحة خلال الأيام الأخيرة من مهمته كمقرر خاص للأمم المتحدة.
كما يجب التنويه ببيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول تقرير جاويد رحمان الجديد “إيران: يجب التحقيق في الجرائم الوحشية وتقديم الجناة إلى العدالة”. ويذكر التقرير أن هناك أدلة كبيرة على أن عمليات القتل الجماعي والتعذيب وغيره من الأعمال اللاإنسانية تم تنفيذها ضد أعضاء مجاهدي خلق بقصد ارتكاب إبادة جماعية، وأن الفظائع المرتكبة في جميع أنحاء إيران هي أسوأ وأفظع انتهاكات حقوق الإنسان في التاريخ الحديث. وقد تم التخطيط لهذه الفظائع بمشاركة نشطة من قبل مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى في التخطيط والأمر وارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
يشدد التقرير على أن المقرر يرى أن الجرائم ضد الإنسانية، وعلى وجه الخصوص قتل آلاف السجناء السياسيين عن طريق الإعدام التعسفي وبإجراءات موجزة وخارج نطاق القضاء، والتعذيب والمضايقة والاختفاء القسري، وغيرها من الأعمال اللاإنسانية ضد السجناء السياسيين، قد شكلت إبادة جماعية في إيران من نهاية يوليو إلى نهاية سبتمبر 1988. كما أن الجريمة ضد الإنسانية مستمرة بسبب الاختفاء القسري.
وفي تقريره عن إعدام أنصار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في عام 1981 من قبل النظام الإيراني، كتب جاويد رحمان: “بين يونيو وديسمبر 1981، تم إعدام عدة آلاف من الأشخاص إما دون محاكمة أو بعد محاكمات جائرة بشكل واضح. تم استهداف معظم القتلى بسبب انتمائهم الفعلي أو المتصور إلى منظمة مجاهدي خلق. وكان المئات من الذين أعدموا من الأطفال، منهم فاطمة مصباح البالغة من العمر 13 عامًا، وهي مؤيدة صريحة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية. اعتُقلت خلال مظاهرة في طهران في 16 سبتمبر 1981، وقُتلت رميًا بالرصاص بعد أربعة أيام”.