بقلم المهندس/ طارق بدراوى
تنتشر الآثار المصرية إنتشاراً واسعا عبر ربوع مصر المترامية الأطراف لاسيما في إقليم صعيد مصر في أقصي جنوب الوجه القبلي حيث لاتكاد تخلو مدينة أو قرية واحدة في هذا الإقليم من الأثار الفرعونية وإذا كانت أشهر تلك الآثار تتركز في الأقصر في برها الغربي حيث وادى الملوك والملكات ومدينة هابو ومعبد الدير البحرى وغيرها وبرها الشرقي حيث معبد الأقصر ومعبد الكرنك وفي أسوان حيث معبد فيلة ومعبدى أبي سمبل وغيرها من الآثار المتميزة والتي تمثل وتشكل عامل الجذب الأول للسياح الوافدين إلي جنوب مصر فإن آثارا أخري كثيرة لا تقل أهمية عن تلك الآثار نجدها موجودة في أماكن كثيرة في ربوع مصر ولكنها غير معروفة للسياح وإن زيارة واحدة لتلك الآثار الهامة والبعيدة كفيلة بأن تعطي فكرة جيدة عن التاريخ الفرعوني وتتيح للزائر رؤية هذا الجزء المهم من تاريخ مصر القديمة وكيف بني الفراعنة المقابر والمعابد وأسسوا المدن العظيمة في مناطق صحراوية شديدة الوعورة لكنها لم تكن ابدا بعيدة عن نهر النيل الذي إلتصق به الفراعنة في كل حياتهم ومعيشتهم وتحركاتهم وتعد مدينة الكاب الأثرية بإدفو واحدة من تلك الآثار الغير معروفة في جنوب مصر ولذلك فللأسف الشديد فهي غير موجودة أو مدرجة علي الخريطة السياحية المصرية ولا يذهب عادة السائحون إلى هذه المدينة الأثرية نفسها ربما لأنها بعيدة نسبيا أو تتطلب إعدادا خاصا من أجل زيارتها غير أن رؤيتها لا تفوتهم فيرون من القطار أسوارها الضخمة الدالة على بقايا مدينة كبيرة كان لها أهمية كبيرة حيث كانت عاصمة مصر العليا في عصور ما قبل التاريخ ثم أصبحت فيما بعد عاصمة الإقليم الثالث لها طوال فترة تزيد علي الثلاثة آلاف عام وحتي حكم عصر البطالمة وحتي العصور البيزنطية كما كانت من المراكز الدينية الهامة ولذلك كله فقد شهدت أيام مجد وعظمة منذ عصور ما قبل التاريخ .
وتقع مدينة الكاب الأثرية في نطاق محافظة أسوان آخر محافظات مصر الجنوبية جنوبي مدينة إدفو بحوالي 30 كيلو متر وعلى مسافة حوالي 83 كيلو متر جنوب مدينة الأقصر وعلي بعد حوالي 80 كيلو متر شمالي مدينة أسوان على الشاطيء الشرقي لنهر النيل وأطلال هذه المدينة لا تبعد أكثر من 300 متر عن الطريق العام وتتركز آثارها الهامة فوق ربوة عالية وللأسف تكاد هذه المدينة العريقة أن تختفي من الوجود تماما بفعل الزمن وعدم إهتمام البشر بها ولم يعرف تاريخ هذه المدينة جيدا إلا بعد حفائر البعثة البلجيكية منذ سنة 1937م ومما يدل على عظمة تلك المدينة القديمة وجود المخازن الضخمة من العصر الثني أو الطيني والنقوش التي تم إكتشافها علي صخرة بموقع المدينة تسمي صخرة النسور كما تشمل المدينة العديد من الآثار التي تعود إلى عصر الدولة الفرعونية القديمة كما تشمل عدة مقابر من الدولة الفرعونية الوسطى وتشمل أيضا بقايا مباني ومعابد كانت مكرسة لعبادة الآلهة نخبت ربة مصر العليا والإله تحوت إلي جانب مقابر الأشراف التي ترجع الي عصرالدولة الحديثة من سنة 1550 ق.م إلي سنة 1070 ق.م كما تشمل المدينة معبد بناه أمنحوتب الثالث في الصحراء ومقابر أحمس بن إبانا الصخرية والذي حارب الهكسوس وباحري ذلك النبيل الشهير الذى عاش في عصر تحتمس الثالث والأسوار التي بناها نختنبو وبالإضافقة إلي ماسبق تشمل المندينة معبد صخرى يعود تاريخه إلي العصر البطلمي والذى بناه بطليموس الرابع وكثير من التلال الأثرية الأخرى التي تشهد بمجد عظيم وخالد لتلك المدينة النائمة الآن بين النيل والصحراء في ظل أسوارها العالية والتي يحدها من الشمال قرية المحاميد الحجز قبلى وهى القرية الأم ويحدها من الجنوب نجع هلال .
وأول ما تقع عليه عينا الزائر لهذه المدينة في تلك المنطقة الصحراوية الجميلة هي كثرة الرسوم والنقوش علي الربوة العالية التي توجد فوقها المدينة والتي يتم الصعود عليها عن طريق سلم جانبي صنعته هيئة الآثار المصرية بإرتفاع حوالي 7 متر وأول مايستقبل الزائر باحري الذي كان يشغل وظيفة كبير كهنة الآلهة نخبت وكان يعمل في ذلك الوقت كاتب حسابات محاصيل القمح أما والده فكان هو المعلم الأول للأمير واج مس إبن الملك تحتمس الأول كما أن با حري نفسه عمل معلما أيضا للأمير مواس مس إبن الملك تحتمس الثاني وعند الدخول إلي المقبرة نجدها مستطيلة الشكل وهي تنتهي في الجهة الشرقية بكوة تحتوي علي 3 تماثيل هي علي التوالي لبا حري وزوجته ووالدته وتغطي المقبرة الكثير من النقوش والمناظر وهي في غاية الدقة والروعة وتمثل الرسوم والمناظر فيها الحياة في العالم الآخر والحياة اليومية لأصحابها وفي نفس الجهة تقع مقبرة احمس ابن إبانا والذى ولد في مدينة الكاب وإبانا هو إسم والدته والذى كان ضابطا بحريا في عهد الثلاثة ملوك الأوائل من الأسرة الثامنة عشر الفرعونية وهم أحمس وأمينوفيس وتحتمس الأول وشارك في الكثير من العمليات الحربية فقد حارب ملوك الرعاة الهكسوس في أواريس وكان قد رأى والده يحاربهم فقرر أن يلتحق بالجيش المصري بقيادة سقنن رع الثاني لمحاربتهم وبعد مقتل سقنن رع وإبنه كاموس إستمر أحمس بن إبانا في الجيش والقتال تحت إمرة أحمس الأول وكان له دور بارز في معركة أواريس وكان الملك أحمس الأول معجبا ببراعته في القتال ومساعدته للجنود غير القادرين على التدرب بسهولة كما شارك في حصار شاروهين تلك البلدة التي تقهقر إليها الهكسوس وتحت إمرة أمنتحتب الأول شارك أحمس بن إبانا في حملة بحرية ضد قبائل النوبة في أعالي نهر النيل ثم لحق بعدها بتحتمس في حملة قام بها ببلاد الشام وصولا إلى نهر الفرات ومنحه تحتمس لقب أمير البحر وقد حارب أيضا في أثيوبيا وفي سوريا وقد كافأه جميع الملوك الذين حارب في عهودهم لشجاعته وبسالته وبطولاته ومنح الكثير من الذهب والعبيد وعندما أصبح كهلا قضي بقية حياته في مدينة الكاب والمقبرة من ناحية الوصف هي أيضاً مستطيلة الشكل وتحتوي علي حجرة تؤدي الي حجرة الدفن حيث يظهر علي الجدار الشمالي أحمس إبن إبانا وزوجته وعلي الجدار الجنوبي يظهر وامامه النص الشهير الذي يحكي تاريخ معارك التحرير أما المقبرة الثالثة فهي مقبرة سيناو ويرجع تاريخها إلي عصر الملك رمسيس التاسع وكان سيناو يشغل وظيفة كبير الكهنة في الكاب في عهود الملوك الرعامسة بداية من عهد الملك رمسيس الثالث وحتي عهد الملك رمسيس التاسع والمقبرة مستطيلة الشكل هي الأخري وفيها تمثال للملك رمسيس الثالث وهو في سن الواحد والعشرين من عمره أما علي الجدار الجنوبي من المقبرة فيظهر سيناو وزوجته جالسين بينما الأب المقدس للإله آمون رع يقدم لهما القرابين والمقبرة الأخيرة هي مقبرة رني كبير الكهنة أيضا في الكاب والذي عاش في عصر الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية وبها هي الأخري نقوش رائعة الجمال إحداها يصور صب الماء المقدس علي رني وتري فيها أيضاً القوارب التي وضع في إحداها التابوت وحوله الكثير من الأقارب والقرابين التي حملته إلي المقبرة وتري في الخلف مشاهد النساء وهن يجذبن شعورهن حزنا وكمدا وفي نهاية المقبرة نجد تمثال مهشم لرني وبعد الإنتهاء من زيارة هذه المقابر وعلي بعد كيلومتر واحد فقط نجد معبد أمنحوتب الثالث الذي شيده للآلهة نخبت سيدة مدخل الصحراء .