متابعة : عادل شلبى
في كتابه الأشهر (مقدمة ابن خلدون) كتب المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع عبدالرحمن ابن خلدون (وأول ما يفسد من العمران صناعة الغناء) ويعني الرجل بهذا الكلام أن إنهيار الحضارات يبدأ بفساد صناعة الغناء.
ومن هذا المنطلق يتأكد لنا أن رجل الأعمال نجيب ساويرس يسعي إلي تخريب وإنهيار الحضارة من خلال دعمه ومساندته لتلك التوعية الفاسدة من الغناء والتي تسمي (مهرجانات) .
وحتي لا يتهمنا أحد بالقسوة نتوقف مع الأخ ساويرس أمام بعض النقاط المهمة.. نجملها فيما يلي: –
أولاً: من المؤكد أننا لا يمكن أن نطالب بأي نوع من الحجر أو الوصاية علي (الذائقة الخاصة) للأخ نجيب ساويرس فله أن يسمع ما يشاء في مكتبه أو في بيته ولكن ليس من حقه أن يفرض علينا أن نستمع إلي ذلك الغناء الفاسد .
بل ويهددنا بإقامة مهرجان خاص لمجموعة مؤدي المهرجانات الذين أوقفهم نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر، ومن الواضح أن ذائقة ساويرس الخاصة تميل إلي النشاذ والعري.
بدليل تنظيمه لمهرجان العري الأول بين كل مهرجانات السينما في العالم ومن السهل علي أي متابع أن يكتشف هذه الحقيقة بمقارنة ما ترتديه ضيفات مهرجان الجونة مع ما ترتديه كل الفنانات في المهرجانات الأخري الدولية والعربية.
ثانياً: يزعم الأخ ساويرس أن الناس هي من تستمع إلي هذا الغناء الفاسد وكأنه يكرر المقولة التي كانت تتردد بعد منتصف السبعينيات وقت اكتساح (أفلام المقاولات).
حيث كان أمثال ساويرس يرددون (الناس عايزة كده) بينما الجمهور الحقيقي موجود في حفلات دار الأوبرا المصرية ولو كلف الأخ ساويرس (خاطره) وذهب إلي حفلات مهرجان الموسيقي العربية أو حفلات عمر خيرت لتأكد أن هذا الغناء الجميل والموسيقي العذبة هي ما يريده الجمهور.
أما (الهبد والرزع) والذي تسلل إلي مجتمعنا تحت مسمي (مهرجانات) فهو جزء أصيل من منظومة إفساد المجتمع تلك المنظومة التي تحوي تجارة المخدرات بكافة أنواعها والغريب والشاذ من الملابس (وقصات الشعر) والأكثر شذوذاً من الكلمات والتعبيرات فهل تحول الأخ ساويرس إلي (معول هدم) لتدمير بنية المجتمع وثوابت الأمة.
ثالثاً: تقول الحكمة العربية القديمة (بضدها تضع الأشياء) ولذلك تقدم النموذج الأبهي والأنبل لرجل الأعمال (الوطني) متمثلاً في طلعت باشا حرب والذي سعي إلي تمصير الاقتصاد الوطني من خلال إنشاء بنك مصر.
ثم اتجه بقوة إلي عالم الصناعة متحدياً قوي الاحتلال الإنجليزي والكثير من رجال الأعمال الذين كانوا علي شاكلة ساويرس يبحثون فقط عن الأرباح حتي ولو علي جثث الناس وضد مصالح الوطن.
وكان طلعت حرب عاشقاً للفن والثقافة فأنشأ مسرح الأزبكية (المسرح القومي) واستوديو مصر والعديد من دور العرض السينمائي وعندما ذهبت إليه السيدة أم كلثوم تشكو له من عدم تقدير شركة الأسطوانات التي تتعامل معها لموهبتها ومكانتها طلب منها علي الفور أن تفسخ تعاقدها مع الشركة.
فأخبرته بصعوبة ذلك لوجود شرط جزافي ألف جنيه فأمر لها علي الفور بقرض حسن بقيمة ألفي جنيه بلا أي ضمانات إلا صوتها العبقري وخرجت من مكتبه وفي حقيبة يدها مبلغ الألفي جنيه لتدفع الشرط الجزائي ولتقوم بالإنتاج لنفسها بالطريقة التي تخدم مواهبها ومكانتها.
وهكذا يكون رجل الأعمال الوطني الذي يدعم الفن الراقي ويحافظ علي الهوية الوطنية فهل يتعلم ساويرس ومن يسير علي دربه من الرائد العظيم طلعت حرب.
رابعاً: الغناء الهابط موجود في كل العصور والأزمنة ولكنه دوماً يتواري خجلاً أمام الغناء الراقي الذي كان موجوداً ومازال موجوداً حتي الآن ولكنه يحتاج فقط إلي مزيد من إهتمام المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافة والفنون.
وأعتقد أن اتفاقاً للشراكة بين وزارة الثقافة والهيئة الوطنية للإعلام والشركة المتحدة يمكن أن يتحول إلي (عصي موسي) التي ستلقف كل ثعابين الابتزال والسوقية.