الأدب و الأدباء

محروس و المحروسة

 قصة قصيرة بقلم – رهام علوي

يجلس محروس على مقعده في القطار متأملا تذكرته حيث لم يعتد على رؤيتها مسبقا. إنها المرة الأولى التي يحصل فيها على تذكرة مثلها. قضى سنين عمره السابقة في مسقط رأسه – داخل إحدى القرى الريفية – حيث استكمل دراسته هناك حتى حصل على دبلوم صناعي يؤهله للعمل كعامل خراطة ولم يغادر قريته تلك قبل اليوم بعد أن نصحه البعض بالتوجه إلى القاهرة والبحث عن فرصة عمل هناك. لم يكن محروس أول من يقدم على تلك الخطوة ممن يعرفهم. فقد سافر العديد من أهل قريته إلى القاهرة من قبل. وكان كل من يعود إلى القرية يتحاكى عما رآه في القاهرة المحروسة من جمال وبهاء وتنوع واختلاف وتعدد أطياف وينقل انبهاره بأضوائها ونبضها بالحياة إلى كل من يستمع له. كان أقرب هؤلاء المتحدثين صلة إلى محروس هو : عمه ، الذي طالما حدثه عن وضعه المرموق ومكانته العليا بين من يحيطون به في القاهرة المحروسة من سكان. كذلك كان لا يخلو حديثه له من التباهي بذلك الكم الهائل ممن يتمنون إسداء الخدمات أو تقديم يد العون له في أي أمر كان. كان العم يكرر عرضه على محروس في كل لقاء جمع بينهما أن يتوجه إلى القاهرة ليقيم معه في منزله الواسع هناك. مؤكدا له أنه سوف يستطيع لا محالة أن يوفر له فرصة عمل مثالية. ما كان يقابله محروس كل مرة بابتسامة تفكير. كان يريد أن يحصل على شهادة الدبلوم الصناعي أولا وبعدها يبدأ في البحث عن عمل. يصل القطار إلى محطته الأخيرة في المحروسة. يحمل محروس حقيبة السفر الخاصة به ويغادر القطار. وبين تدافع وزحام يشعر محروس أنه كحبة قمح تناثرت بين الرمال. على الرغم من الانسياق في السير بين الزحام إلا أن شعوره بعدم الارتياح كان أقوى من أن ينكره أو لا يلقي له بالا لكنه فسره في بادئ الأمر على أنه خوف من اقتحام المجهول. كاد شعوره – أنه صخرة صغيرة تسبح في ماء نهر جارية لم ولن تذوب فيه وإن انساقت مع التيار – يغلبه إلا أنه استكمل الطريق حتى وصل إلى منزل عمه. لم تتمثل مشكلته في عدم معرفته الطريق أو حتى صعوبة الوصول إلى هناك فقد استطاع التغلب على كل ذلك . وفور وصوله إلى المنطقة السكنية حيث يسكن عمه لم يجد تماثلا بين ما يراه بعينه وبين وصف عمه لها. تجسدت المشكلة عند دخوله منزل عمه. لم يكن المنزل الواسع متعدد الغرف الذي كان يتحاكى عمه عن مساحته وكذلك فرصة العمل المنتظرة لم تكن متوفرة على النحو المطلوب. لم يكن لعمه صلة وطيدة بشخص يستطيع أن يوفرها له. لم تكن المحروسة كما يظنها محروس. خاب ظن محروس في المحروسة واستطاع قبل أن يتم ليلته الأولى هناك أن يتيقن : أن ليس كل بعيد هو الأجمل. وأن الحقيقة الكاملة هي التي تصل إليها بنفسك عن طريق التجربة أما من يخبرك عن تجربته، فإنه ينقل لك أفضل ما مر به في التجربة أو أسوأه أو ربما ينقل لك ما تمنى أن يمر به. لكنه حتما لا ينقل لك تجربته كاملة. والحقيقة في تلك الحالة تكون حقيقة منقوصة وربما مغلوطة. أعمل محروس عقله وقرر العودة إلى قريته والعمل هناك في وضع أكثر استقرارا وعائد أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى