مجموعه قصصيه بعنوان ….. قصص من الحياة للكاتبة القديرة / فاتن سليمان
قصص من الحياة / للكاتبة فاتن سليمان
اهداء .. الي ابي فهو من علمني و ربطني بالكتاب عموما وبالفلسفه علي وجه الخصوص
عامل النظافه
ومن اكثر ما يربك مشاعرك ، وانت تسير في اي شارع ، هو منظر عامل النظافه وهو يحمل اداه النظافه ، وهي عباره عن مقشه طويله اليد تاخد عيدان اخشابها شكلا مائلا ، متراصا ، محكوم قرب نهايته بربطه من السلك الصدء دائما ، اسفل هذه العصايهوالتي نادرا ما يستخدمها في تنظيف الشارع ، حيث أصبح لها وظيفه اخري مع ازدياد بؤس هذا العامل ، وغلاء المعيشه ، وقله دخله المهزوم دائما امام مطالب حياته اليوميه ، وتلاشي راتبه الضئيل عقب تقاضيه …هذه الوظيفه هي التسول ، وسؤال الماره واصحاب السيارات …وبالطبع حوله الاوراق والزباله في كل مكان غير عابئ بها … وكانه لابد أن يكتمل المشهد ، بان بدلته التي يرتديها ، والتي تعنون وظيفته هي الاخري، تخلو من النظافه تماما ، مثلها مثل الشارع الذي يتركه متسخ …فيقف ممسكا بالمقشه ، وكانها تعلن مساندتها له ، وتاييدها لاستغلاله لها في التسول ، بدلا من النظافه ، فقد كفرت هي الاخري بوظيفتها البائسه …وامعانا في التاثيرعلي الماره ، تجده وقد تمرس علي كسره عين ، في تسبيله ذل وانسكار ، مصدرا صوتا يلهج بالدعاء ، واذا كانت هناك مناسبه عيد او قدوم شهر كريم او مناسبه دينيه ، تجده يهنأك داعيا المولي لك بسنه سعيده ووابل من الدعاء لا يتوقف ، الا وقد القمته في يده جنيها أو بضعه جنيهات لم يعد لها قيمه هي الاخري .
وكنت عائده لتوي من رحله اوروبيه في بلاد يمثل عامل النظافه هذا بل والنظافه نفسها احد اهم قضاياها والتي استحقت الاهتمام فحققت الابهار وأصبح من امتع ما يفعله مواطنوها هو رياضه الجري وقياده الدراجات أو المشي في شوارع تقارب في نظافتها نظافه البيوت .
تهيات لعامل النظافه كل سبل العيش الكريم من رواتب وتامين صحي وتعليم لابنائه ومعاش الخ …اما عن مظهره ، فهو يرتدي بدله تدل علي وظيفته كعامل نظافة ، وقفاز في يديه ويجلس بجانب سائق عربه يختلف حجمها وشكلها حسب وظيفتها ، فهي صغيره الحجم منخفضه اسفلها اما عيون تخرج منها مياه تغسل الطريق بعد التقاط هذا العامل لاوراق او بقايا مخلفات سقطت عفوا من بعض الماره أو اطاح بها الهواء في يوم عاصف مثلما يفعل في اوراق الشجر .. أو ان تحتوي السيارات نفسها علي فُرش تعمل بشل دائري عند تشغيلها لتكمل تنظيف وتلميع الشارع .
او انها سيارات كبيره الحجم تحتوي علي قلابات ، ما ان توضع فيها او يضع فيها عامل النظافه القمامه من الحاويات التي تملا شوارع المدن والقري ولا فرق بين كلاهما في مستوي النظافه حتي تبدا عمليه تدوير المخلفات ، واعدادها لمصانع خاصه بتحويلها لمنتجات صالحه بعد معالجات لاستخدامات كثيره …
ولانني بزيارتي الاوربيه هذه، والتي ساحكي عنها عبر فصول قصصي القصره تباعا قد ايقنت أنه لا مجال للمقارنه ، لكن هذا لم يمنعني من السؤال ذات يوم ، وفورعودتي من هذه الرحله ان اسال من المسئول عن نظافه الشوارع في مدينتي ، فقيل لي انه مجلس الحي والقابع في احد المباني بالمحافظه ، والذي ما ان وصلته حتي اكمل الصوره، فهو مبني لا يختلف في قذارته عن قذاره الشارع ، بل ان امامه مباشره يوجد مقلب زباله تلهو به بعض القطط والكلاب باحثه عما احتواه المقلب من طعام لها … اذن انا امام مبني ليس له هيبه ولا شخصيه ولا سيطره اصلا علي محيطه فما بال محافظته ، وكان الناس يريدون ان يوصلون لمجلس الجي هذا رساله ، انك مجلس مهزأ لا تستحق منا الاحترام ، وقد تركت الشوارع بلا حاويات للقمامه ، وهذا ابسط المطالب خاصه وان الحكومات المتعاقبه تفرض رسوم للنظافه تدفع بالاجبار وبشكل منتظم .
المهم طلبت مقابله احد المسئولين العاملين بالحي .
ودار بينا الحوار الغريب العجيب الاتي :-
بدايه وجدتني امام شخص بدين قصير تخلو ملامحه من اي زكاء وتعلن خطواته عن كسل ورتابه وملل وبعد ان قابلني بتهللا مصطنع بادرته بتعريف نفسي قائله ….
- صباح الخير سيادتك انا من سكان هذه المنطقه ومنزعجه جدا من مستوي النظافه في الشوارع واعتقد ان دي مسؤوليه الحي …
رد سيادته ..
انتي جيتي في المكان الصح دي مسئوليه الحي فعلا ..
- طب ممكن اعرف ايه الاجاراءات اللتي بياخدها الحي لتنظيف الشوارع وحل مشكله الزباله …. مش حضرتك برضو بتمشي من نفس الشوارع وبتشوف نفس الظواهر ، من تسول عامل النظافه، وعدم وجود حاويات ليلقي بها الماره او السكان بمخلفاتهم ..بدلا من القائها علي الطرقات ومفارق الطرقومدخل الطريق الدائري …
رد وكانه يذيع سرا عسكريا .
- انت عارفه مرتب عامل النظافه كام ….1500 جنيه فقط ، وعنده اسره وعيال والتزامات … انتي عارفه انه في اخر اليوم بيفرز هو نفسه الزباله ، وبياخد منها شنط وبيبعها لشركات خاصه بتمرعربياتها ليلا .. انتي عارفه ان فيه متسولين بيلبسوا بدله عامل النظافة وبيتسولوا بيها علي اساس انهم عمال نظافه ، وبنمسكهم ونسلمهم للشرطه …
وتعجبت من كم ما ذكر من مظاهر ورددت
- سيادتك كل اللي اعرفه ان الناس لم تقصر، واذا وجدت حاويات كبيره وثابته في اماكن امام بيوتها فسوف تلتزم وتحرص علي النظافه خاصه وانه يتم خصم مبالغ معينه وبشكل دوري للنظافه تضاف علي فواتير الكهرباء بشكل دوري وثابت وملزم ، فاين تذهب هذه الاموال وحال الشوارع بيزداد سوء وقذاره …
رد سيادته وقد بدء يفقد الحماس لاستمرار الحديث ولكن لمعت فكره في عينيه شديده الغباء والكسل ..
- اه ماحنا بطلنا نجيب صناديق كبيره وسحبناها من الشوارع علشان اخوانا البعده الارهابيين ما يرموا فيها قنابل … عارفه انا اقترحت نزرع اشجار مثمره بين عماوييد النور في جزر الشارع حتي لا يلقي الناس الزباله علي الرصيف وتحت اعمده الكهرباء … لكن ريسي قالي انت عايز الناس تتزاحم علي اكل ثمار الشجر وتتجهروا
عند هذه الجمله شعرت بؤس عقول تتولي مناصب حيويه خاصه وقد رسمت في مخيلتي صوره للناس وقد تحولت لمتسلقي الشجر اوهز اعواده لالتقاط الثمار حتي قبل ان تنضج …
ولكن زاد عنادي واصراري علي اكمال الحوار .. وقولت متظاهره بالاعجاب بفكرته العبقريه واجاهد ابتسامه سخريه تحاول ان تظهر وتفسد روح الجد التي حرصت علي اظهارها منذ قررت المواجهه ..
- طب ليه يافندم اشجار مثمره طب ماتكون غير مثمره تجنبا لتجمع محاريم الشعب من قطف الثمار …ثم هناك نقطه اخري ليه الشوارع حالها ليس بافضل من حال القمامه ليه دايما فيه عمليات حفر متواليه لعمل بنيه تحتيه ، ما بين الحفر لادخال مواسير الغاز يليها مواسير الصرف الصحي ثم الاناره ، والكهرباء ، حتي اصبحت الشوارع عباره عن سلسله من المطبات والحفر والتي تصيب السيارات في مقتل ، وكذلك الماره لتعرض ارجلهم لنتوءات صنعتها بقايا الحفر من حجاره متكلسه …
- رد باستسلام من ظبط متلبس ..
اه شوفتي بقي ، اهو ده راجع لعدم التنسيق بين الاجهزه والجهات الحكوميه ، لان الميزانيات لا تصل لكل الهيئات في نفس الوقت ووقت ما بتيجي ميزانيه الغاز مثلا بيحفرالتليفونات بعده تحفر هي الاخري وهكذا…. وده خلل انا عارف لكن نعمل ايه ( ودي ظاهره فريده من نوعها في بلادي دايما يسال المسؤلون سؤال العجزه ماذا يفعلون ازاء مشاكل هم اصلا في مناصبهم لحلها .
- وواصلت في تحد وقد تاكدت تماما من دحر محاوري وتيقنه من عمق سلبيته وعجزه وغبائه ..
ثم اني عمري ما شفت بلد في حاله بناء دائم كده ، يعني ما ان ينتهي مالك عماره او كومباوند من بناء وحداته ، حتي يبدا اخرون في نفس العمليه ، لماذا لا يفرض الحي موعا لبدء والانتهاء من مشروعات البناء بمجرد طرح قطع الارض للبيع ، وفرض غرامات تاخير او عدم الالتزام بالقواعد والمواعيد.
- رد معلنا هزيمته ومحاولا التودد لي بكلمات من قبيل انا معجب جدا بافكارك وشخصيتك ، وروحك الايجابيه ، ولو كل الناس زيك كده كان حال البلد اتغير ..والحوار ده مهم جدا، ومن بكره هابعت حد يشوف المنطقه اللي انتي ساكنه فيها – والتي ذكرتها بطبيعه الحال في بدايه الحوار – ويحل مشاكلها .
وغير مقتنعه بمحاوله استرضائه لي بوعود لن اطولها فلم ات لمطلب شخصي ،
وفي هجوم مباغت مني لم يتوقعه صحت – وقد ايقنت ان الملعب كله اصبح لي بالكامل امرح فيه كيفما اشاء –
- وسالته ممكن اعرف مين العبقري الذي تعاقد علي صناديق القمامه المعلقه علي اعمده النور تجوب ارجاء عاصمه المحروسه …. واللي لابد ان يكتب عليها حافظوا علي نظافه الصناديق ، لانها فعلا مش في تناول اي احد فهي أعلي من متوسط طول اطول مواطن … فعلا يستحق هذا العبقري أن يوضع بعقليته هذه مكان احدها علي عمود النور ليكون مثال للجمود ، وطبعا لا يخفي سمسره وعموله حصل عليها سيادته … ممكن اعرف بقي مين .
اجاب وقد اصيب في مقتل … شخصية هامه ….ولم اهتم لذكر اسمه واكملت علي الفور طبعا ….وهنا نسكت مانتكلم رغم اني في اول كلامي قولت لك لم ات للكلام في السياسه ، لكن واضح ان الكلام في الزباله لازم يجرنا للكلام في السياسه ، واضح ان فيه صله بينهم ( ودي جمله ترددت بداخلي وربما قراءها في نظره القرف التي علت وجهي )..
وهنا علا صوته معلنا تحفظه علي جملتي الاخيره …
وعند هذا الحد قرر اربعه من زملائه، والعاملين بالحي التدخل لانهاء اللقاء ولم ينسوا أن ينظروا نظرات متوعده لي ومحذره ان انهي الكلام وانصرف وذلك افضل ….
وطلبوا منه ضروره حضور اجتماع هام عليه ان يراسه …
وانا متاكده تماما ان موضوع النظافه ، لن يكون احد بنود جدوله … وقررت الانصراف بشياكه بدلا من طردي او اظهار تنمر لغوي اواتهامي بالمنظره والتعالي ، والانفصال عن الواقع والتشبه بالغرب الكافر المارق في موضوع النظافه لا سمح الله .
الم اقل لكم انها غير عادله … دنيا .