اهم المقالات

مجموعة السلطان قلاوون

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

وسط معالم وكنوز الآثارالإسلامية العظيمة التي يمتلأ بها شارع المعز لدين الله الفاطمي في قلب القاهرة التاريخية ذات العبق التاريخي والتي تمثل متحفا مفتوحا تقف مجموعة السلطان قلاوون شامخة وشاهدة على عظمة وروعة الفن المعمارى والذى بلغ قمته في العصر المملوكي وهذه المجموعة تضم بيمارستان وقبة ومدرسة وهي تعد من أهم المزارات السياحية التي تبهر زائرى مصر من شتى أنحاء العالم ومن جميع الجنسيات كما تعد أيضا المجموعة جزء أصيل ولا يتجزأ من تاريخ الشارع العريق وشاركت بلا شك في إكساب المباني التاريخية به لمسات جمالية متميزة وسط مايمتلأ به الشارع من آثار إسلامية خالدة من شتي العصور بداية من العصر الفاطمي وحتي نهاية عصر المماليك في بدايات القرن السادس عشر الميلادى مثل جامع الحاكم بأمر الله وجامع الأقمر وجامع الصالح طلائع وجامع المؤيد شيخ وجامع الأشرف برسباى ومجموعة السلطان قنصوة الغورى وغيرها
ومجموعة قلاوون تطل الواجهة الشرقية لها على شارع المعز لدين الله وتتكون من قسمين البحري الواقع على يمين الداخل من الباب الرئيسي وهي واجهة المقبرة التي دفن بها المنصور قلاوون وتعلوها القبة والقبلي ويضم المدرسة وبين القبة والمدرسة دهليز طويل يؤدي إلى البيمارستان أى المستشفى والذي بقي منه الإيوان الشرقي والإيوان الغربي ويحتفظ بكامل روعته الأثرية المعمارية وتتميز المجموعة بواجهة المدرسة المزخرفة بالحنايا المحمولة على أعمدة من الرخام يتوسطها شبابيك بمصبعات نحاسية كما يلفت النظر القبة المزخرفة بالفسيفساء والخشب المذهب والمحمولة على أربعة أعمدة سميكة أسطوانية الشكل مصنوعة من الجرانيت الأحمر وجدرانها مكسوة بالرخام وهذه القبة دفن تحتها السلطان المنصور قلاوون وإبنه الملك الناصر محمد
ويعد مستشفى قلاوون أقدم مستشفى في مصر على الإطلاق وقد بناه السلطان المنصور قلاوون محاولة منه للتكفير عن ذنوبه حيث قتل من عوام المصريين أعداداً هائلة على مدى ثلاثة أيام فقط وفق ما ذكره إبن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور وأمر السلطان ببناء البيمارستان ليؤدي وظيفته في علاج كافة الأمراض حتى عام 1856م حيث تخصص في علاج أصحاب الأمراض العقلية ولو أن البيمارستان معناه في اللغة العربية دار المرضى إلا أن المصريين يخصون به أصحاب الأمراض العقلية والمستشفيات التي يعالجون بها حتى الآن مع تحريف الكلمة إلى لفظ المورستان ورغم أنه من أهم الآثار الإسلامية إلا أنه ما يزال يستقبل المرضى إلى الآن بعد أن تخصص منذ عام 1915م في علاج أمراض العيون ومن هنا فقد إنتقلت تبعيته من وزارة الأوقاف إلى وزارة الصحة إلا أن المبنى يتبع هيئة الآثار المصرية نظراً لقيمته الأثرية والتاريخية
ومما ذكر عن السلطان قلاوون أن الناس في مصر أبغضوه سنين كثيرة إلى أن أرضاهم بكثرة الجهاد في الفتوحات وجاء أيضا في ذكره أن المنصور منشئ البيمارستان تسلطن على عرش مصر 12 عاما بداية من عام 678 هجرية بعد خلع الملك السعيد ملامشي وإستمر في الحكم حتى عام 689 هجرية وقد جعل المنصور قلاوون للبيمارستان جملة أوقاف للصرف منها عليه وفعل من أفعال الخير ما لم يفعله غيره من الملوك ليكفر عما فعله بالناس من قتل وخلافه لعل الحسنات يذهبن السيئات ومن المعروف أن مستشفى قلاوون قد أقيم محل قاعة تسمي بقاعة ست الملك حيث أبقاها المنصور قلاوون على حالها ووصفها المقريزي قائلا كانت ذات إيوانات أربعة بكل إيوان سلسبيل وحولها تدور فسقية يصل إليها الماء والناظر إلي ما تبقى من الفناء القديم يلمس مدى الدقة التي بنيت بها الجدران فالقسم الشرقي به فسقية رخامية تنساب إليها المياه من سلسبيل صغير كما توجد به نوافذ يحيطها إفريز به كتابات كوفية وكذلك توجد بقايا من الإيوان الغربي وبه سلسبيل محلاة حافته برسوم لحيوانات تنحدر فوقها المياه إلى فسقية ثم مجرى من الرخام تتلاقى مع المجرى المقابلة لها
وتعد مدرسة قلاوون تحفة معمارية وفنية شغلت بال المهتمين بالآثار الإسلامية في مصر والعالم وقد اقيمت على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد حيث تتكون من صحن أوسط تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة ولم يبق منها الآن غير اثنين منهم هما إيوان القبلة والإيوان المقابل له أما الإيوانان الآخران فقد خربوا وحل محلهما بعض أبنية مستحدثة ويشمل إيوان القبلة المحراب بعموديه الرخاميين الرائعين وطاقيته ذات الزخارف الجصية البارزة والمفرغة التي تشهد بما يعلوها من زخارف جصية أخرى وما يقابلها بصدر الإيوان الغربي لما وصلت إليه هذه الصناعة من رقى وفن في العصر المملوكي والصحن مكشوف مستطيل في شكله وتتوسطه نافورة وتفتح الإيوانات الأربعة بكامل إتساعها على الصحن وتحيط بجدران الصحن ست خلوات وذلك من الجهة الشمالية الشرقية وقد فرشت أرضيات المجموعة بالأحجار أما السقوف فهي أنصاف أقبية برميلية وإيوان القبلة المتواجد في الجهة الجنوبية الشرقية مساحته مستطيلة وأرضيته مفروشة بالحجر ومغطى بسقف خشبي معرق ويتصدر جدار القبلة محراب الصلاة وهو عبارة عن حنية نصف دائرية وطاقيته مزخرفة بالنباتات ويحيط بها شريط كتابي يعلوه شباك مزخرف ويغلق على الإيوان حجاب خشبي له مصراعان خشبيان وتتشابه معه في التصميم والزخارف والنقوش الايوانات الأخرى
وواجهة المجموعة المطلة على شارع المعز لدين الله يتواجد بها ثلاث حنيات رأسية تمتد بإرتفاع نافذتين تطلان على القبة الضريحية أما النافذة الثالثة فتطل على إيوان القبلة ويعلو الثلاث نوافذ أعتاب حجرية عليها شريط كتابي نفيس تتوسطها زخرفة نباتية ويوجد على يمين الداخل من الممر الموصل للصحن باب يؤدى إلى القبة وهي لم يبق منها سوى رقبتها ومقرنصات أركانها والواجهة مبنية بالحجر وما زالت تحتفظ بالكثير من معالمها القديمة وتحليها صفف قليلة العمق فتح بأسفلها ثلاثة شبابيك بأعتاب تعلوها عقود مزينة بزخارف محفورة في الحجر وتنتهى هذه الصفف من أعلى بمقرنصات رائعة ويمتد بطول الواجهة طراز كتب عليه إسم الناصر محمد الذي حل محل إسم كتبغا وتاريخ بدء العمل وتتوجها شرفات مسننة
ومن أهم ما يلفت النظر في واجهة المدرسة الباب الرخامى الذي يعتبر بطرازه القوطي غريبا عن العمارة الإسلامية فقد كان لأحد الكنائس في مدينة عكا ببلاد الشام فلما فتحها الأشرف خليل بن قلاوون سنة 690 هجرية / 1291م نقل هذا الباب إلى القاهرة وتم وضعه في هذا المسجد في عهد الملك العادل كتبغا عندما شرع في إنشائه وبأعلى المدخل منارة مكونة من ثلاث طبقات الأولى مربعة زينت واجهاتها بزخارف وكتابات جصية جميلة وإنتهت بمقرنصات تكونت منها الطبقة الأولى والطبقة الثانية مثمنة إنتهت بمقرنصات أخرى كونت الدورة الثانية أما الطبقة الثالثة وهي العلوية والأخيرة فهي طبقة قصيرة وقطاعها شبه دائرى وتعلوها رأس مخروطية وهي حديثة البناء تم إضافتها في عصر آخر
وبرغم أن أول من أمر بإنشاء المدرسة هو السلطان العادل كتبغا المنصوري إلا أن منشئ مدرسة قلاوون فعليا هو الملك الناصر محمد بن قلاوون لأن كتبغا رفع بناء المدرسة حتى الطراز الذهبي بالواجهة وجلب لها بابا من الرخام كان بإحدى كنائس عكا كما أسلفنا إلا أن كتب التاريخ قالت إن محمد بن قلاوون إختير سلطانا بعد قتل أخيه الأشرف عام 693 هجرية لكنه ما لبث أن خلع من السلطنة بعد عام واحد على يد العادل كتبغا ثم عاد الملك محمد بن قلاوون للحكم مرة ثانية وإشترى المدرسة قبل إتمامها وأكملها وأنشأ بها القبة ونقل إليها رفات والدته ودفن بها إبنه أنوك وكان في الثامنة عشرة من عمره وقد أولت وزارة الثقافة المصرية إهتماماً كبيراً بمجموعة قلاوون خاصة بعد ظهور مشكلة تراكم الأملاح بالأثر وقد ساهمت لجنة حفظ الآثار العربية في حماية مجموعة قلاوون وترميمها بالإضافة إلى مساهمات المعهد الألماني والمهتم بالآثار الإسلامية وتم إجراء كافة أعمال الترميمات للمدرسة والمستشفى والقبة على نفس النسق الأثري القديم للحفاظ علي قيمتها الأثرية وطرازها المعمارى المتميز

Related Articles

Back to top button