الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية **

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

يقع متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية العاصمة الثانية لمصر وعاصمتها الأولي في العصر اليوناني الروماني بمنطقة محرم بك وهو يعد أحد الصروح الثقافية والفنية الهامة لما يمثله من قيمة فنية وثقافية تعد مرآة حقيقية تعكس أسباب إعتلاء مصر لمكانتها العالمية المرموقة وهو يعتبر أول متحف تم بناؤه خصيصا ليكون متحفا للفنون الجميلة في مصر والشرق الأوسط ويضم المتحف مجموعة كبيرة من أعمال الفنانين المصريين الرواد بالإضافة إلي بعض أعمال المدرسة الرومانسية الباروك والروكوكو وبعض لوحات المستشرقين ويضم المتحف أيضا بعض أعمال الحفر والطباعة بالإضافة إلي بعضٍ من أعمال المثال المصرى الشهير محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر وأيضا أعمال بعض المثالين المصريين والأوربيين ويساهم المتحف في الإرتقاء بالذوق الفني في المجتمع السكندري والمصري بوجه عام وذلك من خلال إقامة أنشطة فنية متنوعة تشمل ورش فنية وتربية متحفية للأطفال كما يتم به تنظيم العديد من المعارض الفنية لكبار الفنانين المصريين وأيضا معارض فنية لشباب الفنانين وعقد ورش عمل بالإضافة إلي أنشطة التبادل الثقافي الدولي .
وقد بدأت قصة هذا المتحف في مطلع القرن العشرين الماضي وتحديدا في عام 1904م عندما قبلت بلدية مدينة الإسكندرية مجموعة من اللوحات الفنية المتميزة أهداها إليها أحد محبي الفنون الجميلة بالمدينة وهو الألماني إدوارد فريد هايم وهي مكونة من عدد 210 عمل فني لأكبر الفنانين الأجانب وقد إشترط فريد هايم علىٰ بلدية الإسكندرية أن تؤسس مكانا مناسبا ومعدا إعدادا جيدا لعرض الأعمال وإلا قام بنقلها لموطنه الأصلي ألمانيا للعرض في متحف دوسلدورف التي تقع غرب ألمانيا قرب الحدود الألمانية الهولندية والحدود الألمانية البلجيكية وفي عام 1936م أهدى سكندري آخر وهو البارون فليكس دى منشا ڤيلا بحي محرم بك كي تكون مكتبة ومتحفا للأعمال الفنية وكان البارون دى منشا تاجرا ماهرا ثريا وكان متزوجا من السيدة روزيتا كلرديا الاربيارى وقد توفى عام 1943م بينما توفيت زوجته بعده بست سنوات عام 1949م وكانا لهما من الأولاد جورج دى منشا وجان دى منشا وهم جميعا من أصل بريطاني وقامت البلدية برصد إعتمادات كبيرة لتحويل الڤيلا إلي متحف كبير يليق بفنون الإسكندرية ودارا للكتب أيضا كما تم البدء في تنظيم مجموعات الأعمال الفنية المهداة إلي بلدية الإسكندرية لعرضها بهذا المتحف بعد تجهيزه إلا أن قيام الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر عام 1939م حال دون تحقيق ذلك حيث أصيب المبني الذى تبرع به البارون دى منشا إصابات مباشرة تسببت في هدمه عام 1940م بسبب غارات الطيران الإيطالي علي غرب البلاد والتي وصلت إلي حدود محافظتي الإسكندرية والبحيرة فإضطرت البلدية إلي تخزين الأعمال لحين إعداد مكان مناسب يليق بها وقد تم بعد ذلك بناء مدرسة سميت مدرسة الإسكندرية في فناء القصر والتي قسمت بعد ذلك لمدرستين هما مدرسة شدوان ومدرسة المشير أحمد بدوي .

174
الواجهة الرئيسية لمتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية

download-1
أحد التماثيل المعروضة بالمتحف

وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وفي عام 1949م وفي عهد الملك فاروق تم تكليف المهندس المعمارى المصرى فؤاد عبد المجيد من قِبل مدير عام بلدية الإسكندرية آنذاك حسين بك صبحي ببناء متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية وقد تم تصميم وبناء هذا المتحف علي أحدث طراز وهو يتكون من طابقين ويضم العديد من صالات العرض ومكتبة فنية متخصصة في كتب الفنون الجميلة ومركزا ثقافيا خصص لإقامة الحفلات الموسيقية وعرض الندوات الثقافية والعروض السينمائية وفي يوم 26 يوليو عام 1954م قام مجلس قيادة الثورة بإفتتاح المتحف بالتزامن مع الإحتفال بالذكرى الثانية لثورة 23 يوليو عام 1952م وفي يوم 26 يوليو عام 1955م قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإفتتاح الدورة الأولي لبينالي الإسكندرية لدول حوض البحر الأبيض المتوسط والذى أصبح يتم تنظيمه سنويا بعد ذلك وهو البينالي الأقدم علىٰ مستوى العالم بعد بينالي ڤينيسيا بإيطاليا والذي إحتضنه المتحف منذ ذلك الحين و حتى الآن وقد تم إغلاق المتحف بعد ذلك في حقبة الثمانينيات وفى عام 1998م تم نقل تبعية هذا المتحف من محافظة الإسكندرية إلى قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة وفى شهر يناير عام 2013م تم إعادة إفتتاح المتحف مرة أخرى بعد تطويره بتكلفة إجمالية حوالي 50 مليون جنيه وقد تم إضافة مبنى للورش والإستضافات الفنية للمتحف بالحديقة الخلفية له وأيضا متحفا للخط العربي يشمل نماذج عديدة من روائع الخط العربي بأنواعه وأشكاله المتعددة الكوفي والنسخ والرقعة وغيرها ويعد الأول من نوعه في مصر والعالم العربي كما تم تخصيص قاعة من قاعات المتحف لتكون قاعة للعروض المتغيرة وأطلق عليها إسم الفنان السكندري المعروف حامد عويس .

download-2
أحد اللوحات الزيتية بالمتحف

images-1
رأس تمثال ضمن معروضات المتحف

ومقتنيات المتحف من الأعمال الفنية يبلغ عددها 1381 عملا فنيا فى مجال التصوير والجرافيك والرسم والنحت لكبار الفنانين المصريين والأجانب حيث تزدان أروقته وجدرانه بروائع الأعمال الفنية لأهم وأشهر فناني العالم ومبدعيه وتتنوع من حيث المدارس والثقافات بل والحضارات لتجمع روائع أعمال الفنانين الأجانب من القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر الميلادية والمستشرقين والمصريين والسكندريين ومراحل الفن الحديث والمعاصر وأعمال الرواد في مجالات الفنون المختلفة والتي تم ترميم الكثير منها عن طريق الإدارة العامة لبحوث الترميم وصيانتها التابعة لوزارة الثقافة المصرية وجميعها أعمال ذات قيمة فنية عالية ومن الفنانين المعروض لهم أعمال فنية متميزة بهذا المتحف محمود سعيد ومحمد ناجي وحنا سميك وسعد الخادم وحسين بيكار ومحمد حسن وكمال الملاخ وحبيب جورجي وحسين صبحي وصلاح عبد الكريم ومحمود مختار ومحمود موسي وسعيد العدوي والأخوين سيف وأدهم وانلي ومريم عبد العليم ومصطفي عبد الوهاب وعبد الهادي الجزار ومحمد صبري وحلمي نخلة وحسني البناني وهي مقسمة إلي ثلاث مجموعات أساسية بناءا على طريقة ورودها إلى المتحف تشمل المجموعة الأولى منهم مجموعة إدوارد فريد هايم الألماني اليهودي الذي أهدى ثمقنياته الفنية للمتحف وكان عددها 210 عمل فني وتشمل المجموعة الثانية مجموعة كان قد أهداها محمد محمود خليل باشا إلي متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية وكانت ضمن مجموعته الخاصة التي كان يحتفظ بها في متحفه الكائن بحي الدقي بالجيزة نظرا لطبيعتها الكلاسيكية والتي تتمشي مع طبيعة المعروضات بهذا المتحف أما المجموعة الثالثة فتشمل إهداءات متحف الفن المصري الحديث بالقاهرة لمتحف الإسكندرية بالإضافة لإهداءات فردية من العديد من الفنانين المصريين والأرمن والأجانب الذين عاشوا بمصر وعشقوها بصفة عامة وعشقوا الإسكندرية بصفة خاصة على مدار تاريخ المتحف إلي جانب ماتقوم محافظة الإسكندرية بشرائه من الأعمال الفنية المتميزة والجديرة بالعرض

hqdefault
تمثال مزدوج من معروضات المتحف

images-2
نماذج من معروضات متحف الخط العربي

وإلي جوار هذا المتحف مباشرة توجد مكتبة البلدية وتعد من المكتبات التاريخية نظرا لتاريخها وموقعها الفريد بوسط الإسكندرية وتضم مجموعة كتب شديدة الندرة إضافة إلي أمهات الكتب والموسوعات العالمية والإصدارات والدوريات في مختلف فروع المعرفة التي تمثل لمصر ثروة قومية نادرة وهي تعتبر إمتداد لمكتبة الإسكندرية القديمة التي أنشأها بطليموس الأول الملقب بسوتير خليفة الإسكندر الأكبر عام 300 ق.م لنقل الثقافة اليونانية إلي مصر وتضمنت في ذلك الوقت مجموعة نادرة من المراجع في شتي فروع العلم والمعرفة تم حفظها في أوراق البردي وكانت المكتبة في ذلك الوقت علي الأرجح بحي كوم الشقافة حتي جاء عام 48 ق.م حيث تعرضت للحريق أثناء معركة يوليوس قيصر قبل الفتح لمصر بحوالي 700 عام وذلك عندما أحرق يوليوس قيصر عدد 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه وإمتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فأحرقتها حيث يعتقد بعض المؤرخون أنها دمرت تماما وأن هذا الحريق قد أنهي حياة المكتبة ومحاها من الوجود بشكل كامل وهناك رواية أخرى في شأن دمار المكتبة ومحوها من الوجود وهو أنه قد لحق بالمكتبة أضرارا فادحة في عام 391م عندما أمر الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس بتدميرها وفي عام 1892م وفي عهد الخديوى عباس حلمي الثاني ألحقت المكتبة كقسم من أقسام المتحف اليوناني الروماني بعد إنشاءه في هذه الفترة وفي عام 1937م إنتقلت إلي محافظة الإسكندرية القديمة بعد أن إزدحم المتحف اليوناني الروماني بمعروضاته وعين لها أول مدير عربي هو الشيخ أحمد أبو علي وكان أول من قام بتنظيم الفهارس العربية وفي عام 1938م إستقرت بشارع منشا بمحرم بك في فيلا البارون دى منشا التي وهبها لمدينة الإسكندرية لتكون متحفا للفن بالإسكندرية ودارا للكتب والتي تهدمت كما ذكرنا في السطور السابقة عام 1940م ثم دخلت بعد ذلك ضمن خطة وزارة الثقافة للتطوير بعد نقل تبعيتها عام 1998م هي ومتحف الفنون إلي وزارة الثقافة بعدما كانا تابعين لمحافظة الإسكندرية حيث تم وضع خطة علمية للحماية والترميم والأرشفة الالكترونية لمحتويات المكتبة بالأساليب العلمية العصرية والمتطورة بالتنسيق مع دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة ومركز تكنولوجيا المعلومات بمؤسسة الأهرام وحاليا تضم المكتبة عدد 175598 ألف مجلد وكتاب حولتشمل مختلف العلوم والآداب العربية والأوروبية في مختلف اللغات الشرقية والغربية ومن أهم محتوياتها نسخة من كتاب وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية في أحد عشر مجلدا بالإضافة الي ستة وعشرين مجلدا كشرح لتلك الأجزاء وتم حفظه حاليا ضمن أعمال التطوير الأخيرة ضمن فاترينة العروض التي تم تصميمها خصيصا لهذه المجموعة بنظم أمنية خاصة نظرا لقيمته التي لاتقدر بثمن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى