بقلم : ابراهيم الشاهد
لم تكد تنقضي السنة الاولى من حملة عاصفة الحزم بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن ، حتى اعلنت المملكة استعدادها ارسال قوات برية الى سوريا في اطار (التحالف الدولي ضد داعش) بقيادة الولايات المتحدة ولتسبقها بمناورات وصفت بانها الاضخم في المنطقة تحت مسمى (رعد الشمال) والتي اختيرت منطقة حفر الباطن على الحدود مع العراق مسرحا لها فضلا عن الدعم الذي اعلن عنه وزير الخارجية السعودي عن تزويد المعارضة السورية بصواريخ ارض – جو مع اشتداد غارات الطيران الروسي والتقدم البري للجيش السوري في الساحل والشمال السوريين .
على الجانب الاخر جاءت سلسلة التفجيرات التي ضربت انقرة قبل فترة وجيزة بمثابة هبة سماوية للقيادة التركية لتمنحها مشروعية اتهام القوات الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني التركي بتدبير وتنفيذ تلك التفجيرات ، خاصة بعد ان جاءت تلك التفجيرات على وقع التقدم الذي حققه الاكراد في شمال سوريا وسيطرتهم على مطار منّغ العسكري وبلدة اعزاز المتاخمة للحدود السورية – التركية ، ولتكون تلك التفجيرات ايضا مبررا قويا لاعادة انقرة للمطالبة باقامة (منطقة امنة) في الشمال السوري .
لقد جاءت هذه الاحداث المتزامنة لتؤكد ان شيئا ما يلوح في الافق يتم التخطيط له في اروقة القرار السياسي لدى الدولتين ، ويبدو ان التقدم الاخير للجيش السوري قد دعا البلدين لحث الخطى سريعا نحو اجراءات عملية لتدارك الاثار المترتبة على ذلك التقدم .
ومهما كانت التبريرات الرسمية للبلدين فيما يخص التدخل البري فان تحاشي الاصطدام بالقوات النظامية السورية لن يدوم طويلا بحكم الضرورة ان لم نقل ان هذا التصادم وكبح جماح القوات السورية النظامية هو السبب الحقيقي والغرض المبيّت من وراء هذا التدخل المزمع ، ويبدو ان هذه الضرورة ايضا هي التي حتّمت ان تتصرف السعودية وتركيا بالذات وان تأخذا على عاتقهما القيام بالاجراءات العملية ، ذلك لان اطراف التحالف الدولي الاخرين وعلى راسهم الولايات المتحدة ليسوا على استعداد ابداً للتدخل او التفكير بارسال القوات البرية الى خارج حدود بلادهم ، وجاءت هذه الضرورة ايضا بعد فشل مشروع تدريب المعارضة السورية الذي كانت قد اعلنت عنه واشنطن العام الماضي .
ورغم تصريحات وزير الخارجية التركي قبل عدة ايام حول عدم ورود التدخل البري في سوريا ضمن حسابات انقرة الا ان هذا الاحتمال لا يزال قائما على الاقل تجاه القوات الكردية السورية ، وقد يكون حدوث تفجيرات اخرى مستقبلا تهز العاصمة التركية او مدنها الاخرى مبررا اكثر قوة لأنقرة للقيام بالتدخل .
اما السعودية التي تبدو اكثر حماساً للحل العسكري ، وهي التي لطالما لوّحت به في حال فشل الحل السياسي في سوريا فيبدو انها تشعر بزهوٍ مبالغ فيه تخيلت من خلاله علوّ كعبها في المنطقة على اثر تدخلها العسكري في اليمن ، ويبدو ان الدور الذي تريد السعودية ان تلعبه في سوريا مضافا الى ما تقوم به الان في اليمن ، هدفه رسم صورة انها قوة اقليمية لا يستهان بها عسكريا بعد ان ظلت الصورة النمطية للدور الاقليمي السعودي مقتصرة على الجانب الاقتصادي اضافة الى فقر او بالاحرى معدومية الانجازات المؤثرة للعسكرية السعودية بما في ذلك دورها في حرب الخليج الثانية الذي اقتصر على قيادة شرفية للتحالف الدولي آنذاك دون الدخول في معارك حقيقية .
وبالطبع فان اول المستهدفين من تلك الرسالة هو العدو التقليدي للسعودية المتمثل بإيران ، وهو ما تجسد في الخطوة السعودية الاخيرة بتعليق مساعداتها العسكرية للمؤسسة الامنية اللبنانية ومطالبة رعاياها المتوجهين الى بيروت او المقيمين فيها بالمغادرة ، في اجراء يهدف الى تشكيل قوة ضغط على اهم حلفاء دمشق وايران الا وهو حزب الله اللبناني لحرمان دمشق من اهم حلفاءها الاستراتيجيين مما سيولّد – ان حدث – اختلالا واضحا في ميزان القوى لصالح الطرف الاخر المتمثل بالمعارضة السورية .
ان ما يجري صورة واضحة للحالة التي سادت في المنطقة العربية بعد ان هجر العرب الحل العسكري للصراع العربي الصهيوني منذ حرب تشرين الاول (اكتوبر)1973 ، فالاجراءات التي اتخذها النظام الرسمي العربي منذ ذلك الحين وحتى الان مثلت استبدال الاعداء التقليديين بآخرين جدد وتغير مفهوم الصراع نحو تصارع دول المنطقة فيما بينها ، . وهو ما يمكن استنتاجه منذ الحرب الاهلية اللبنانية ثم الصدام المسلح بين مصر وليبيا مرورا بالحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الثانية وصولا الى غرق المنطقة في وحل الارهاب واشتراك دول عربية في القصف الاطلسي ضد ليبيا وانتهاء بالازمة السورية اليوم ، ودخول العوامل الطائفية والمذهبية كركن اساسي من اركان السياسة الرسمية لدول المنطقة .
الا ان الاكثر غرابة ودهشة هو الاستعداد الدائم لدول المنطقة لان تلحق بنفسها المزيد من الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية في مغامرات عبثية لا يمكن ادعاء تحقيق أي فائدة منها باي شكل وتحت أي مسمى .. كل ذلك يجري في الوقت الذي لا زالت فيه قضية العرب المركزية تتراجع في ترتيب اولويات الدول العربية باختيارها او نتيجة اضطرارها بعد ان غرقت في بحر الصراعات الجانبية التي استهلكت فيها ما لم تستهلك نصفه على ابعد تقدير في الصراع مع العدو الواضح لكل ذي عين ، هذا العدو الذي يعيش بين ظهراني هذه الفوضى سائرا نحو تمتين وزيادة ترسانته العسكرية واستمراره في امتلاك حرية العمل والاختراق في أي مكان من المنطقة ، غير آبه ولا مكترث بالعنفوان الرسمي العربي الذي يرفض بشدة الحوار مع النظام القمعي الذي تلطخت يده بدماء الابرياء في سوريا بينما يستمر في ابقاء (مبادرة السلام العربية) للتصالح مع العدو المحتل في فلسطين على الطاولة منذ 14 عاماً ، حتى اصبحت كالخبز المتعفن بفعل تقادم الزمن ! .