الدكتوره ماجي الدسوقي تبحث عن هويتنا العربية والاسلامية في بروكسل عاصمة الإتحاد الأوروبي
أين هويتنا العربية والاسلامية
من الصعب جدا تحديد مفهوم الهوية بشكل محدد وبنظرية واحدة وبمفهوم واحد شامل لانها خليط من عدة مكونات متعددة . فالهوية العربية مثلا تشتمل مجموعة من المفاهيم : الجنس العربي ، واللغة العربية ، والثقافة ثم الدين وأخيرا المنطقة الجغرافية في هذا الكون . منذ بداية البشرية حتى هذا اليوم ركزت شعوب العالم على تميزها وتفردها إجتماعيا وقوميا وثقافيا ، وهذا دفع المجتمعات الى ان يكون لها ” هوية” خاصة بها تميزها عن بعضها البعض ، فالهوية جزء لا يتجزأ من نشأة الأفراد منذ الولادة حتى الوفاة . فالإنسان العربي هو الذي يولد من أبوين عربيين أو من أحدهما على الأقل ، ولهذا نجد أن كثيرا من العائلات العربية تحتفظ بما يُسمى “شجرة العائلة ” التي تحدد أسماء الاجداد والآباء مرورا بالأبناء والفروع العائلية ، ولكن يستحيل ان يبقى النقاء الكامل في الجنس . بعد إنتشار الإسلام ترك بعض المسلمين الجزيرة العربية وإختلطوا بشعوب أخرى مما قلل من النقاء الكامل للجنس العربي ، ولكن بقي الدين واللغة العربية هما المكونان الثابتان في معادلة الهوية العربية . وتجدر الإشارة هنا الى أن الفتوحات الأسلامية جعلت الكثير من الشعوب الاخرى تدخل في دين الإسلام أفواجا ، ولهذا بقي الدين السمة البارزة في تجنب الذوبان للهوية العربية ، علاوة على اللغة العربية التي أتقنها بعض الداخلين الجدد في الدين . وللأسف الشديد ساهمت اللهجات العربية المحلية من إزاحة اللغة العربية الفصحى من الصدارة . ولكن هل يمكن الفصل بين الهوية والثقافة ؟ طبعا لا ، لان الهوية لا تنفصل عن الثقافة التي تغذيها ، فالمفروض أن تُغذي الثقافة العربية الهوية العربية والاّ تم الانسلاخ او شبه الانسلاخ عن هويتنا العربية . يجب على الثقافة بجميع فروعها أن تُعزز الهوية الفردية لتصبح هوية جماعية للأمة وهكذا يقوى الإنتماء الجماعي للهوية الفردية للأشخاص في أي مجتمع . إن الخطر الداهم على هويتنا العربية هو العولمة حيث أن ثورة الإتصالات والمعلومات وعولمة الأقتصاد والثقافة بدأت في فرض نفسها بطريقة او بأخرى على هويتنا العربية مما قد يُؤدي الى تغيرات غير مستساغة في الثقافة العربية . يجب أن تحذر الأمة العربية من تحديات عصر العولمة وذلك بتعزيز روح المواطنة والحفاظ على القيم الثقافية والأخلاقية والخصوصية العربية بإعتبارها جوهر الهوية العربية الأسلامية . قد يتصدى البعض منا ويدافع عن العولمة مرتكزا على ذريعة التخلف التكنولوجي في العالم العربي والإسلامي ونحن في أمس الحاجة للتقدم العلمي ، أقول لمثل هؤلاء أن تخلفنا العلمي سببه إنعدام مراكز الأبحاث في العالم العربي لان الدول في العالم العربي أقل دول في العالم إنفاقا على البحوث العلمية ، فمثلا إسرائيل تنفق على الأبحاث العلمية قدر ما تُنفق الدول العربية مجتمعة . المثير أن الدول العربية الغنية تُنفق بسخاء على الرفاهية الحياتية ! وتنسى الإنفاق على مراكز أبحاث علمية تجعلنا أقل أهتماما بتكنولوجيا العولمة ، او نعتمد على القليل منها . الا توجد كفاءات علمية في العالم العربي ؟ لا أجد غضاضة في الإنفتاح نحو الآخر والعولمة وحوار الحضارات بدون إفساد الهوية العربية . على المختصين إثبات أن الدين الاسلامي هو منهج عملي شامل كامل يمكن أن تتعايش في ظله جميع الحضارات ، وأن العولمة تحاول فرض نفسها بالأجراءات السياسية والأقتصادية والثقافية والإعلامية والتربوية على جميع دول العالم وهذا ما تُبشر به أمريكا والدول الغربية . ألم تطلب بعض الدول الغربية إيضاحات كاملة عن النظام الإقتصادي في الإسلام ؟ وللأسف الشديد نظامنا المالي والإقتصادي غربي محض ! لا يمكن لإي عاقل ان يجزم بأن الانفتاح على العولمة والمعلوماتية كله نذير شر ، بل على العكس يمكن الأخذ منه بما يُناسب ويٌجاري هويتنا العربية والإسلامية حتى نتخطى ألغام الانفتاح المدمر للقيم الإنسانية النابعة من خصوصيتنا العربية ونُبقي على التفاعل الأيجابي والبنّاء فقط . وفي هذا المقام لا يسعني الا أن اتذكر قول المفكر نديم البيطار ” أن هوية كل أمة تكون مرتبطة بتاريخها الذي يشكلها وهي بهذا المعنى شبيهة بأرض الوطن الذي لا يُمكن لأحد التفريط فيه أو التنازل عنه ، فالولاء للوطن شيء مكتسب يتربى عليه الإنسان ويكون نتيجة حتمية للولاء للهوية .” وخلاصة القول ان موضوع الهوية موضوع معقد وشائك لأن الهوية هي السمات التي تُميز شيئا عن غيره أو مجموعة عن الأخرى ومكونات أيّ هوية هي عناصر متفاعلة ومتحركة يُمكن أن تبرز بعضها في مرحلة معينة وبعضها الاخر في مرحلة أخرى ولكن هذا لن يُلغي أبدا الركائز الأساسية لها كما ورد في المقدمة . إن ما يقلقني أن تتحول الهوية العربية الى أزمة حقيقية في بلادنا لأن المشاريع التي حملت شعارات التحرر والتقدم والعدالة الأجتماعية إنهارت تماما مما قد يدفع البعض بالأخذ بكل ما هو جديد بل يعتبر أن التمسك بتراثنا الإسلامي هو العائق الأول في طريق التقدم . ليتنا نعود للأصول التي شكلت هويتنا إجتماعيا ونفسيا وأخلاقيا ودينيا حتى لا نتخبط في أزمات متتالية . ولكن هل ” الاخر” بريء من إذكاء الفتنة الطائفية وتفتيت الأصول للهوية العربية الإسلامية ؟ سؤال يطرح نفسه وخاصة في ظل هذه الأزمات الوحشية والمتوحشة الدائرة في الوطن العربي !! أين التشبث بهويتنا العربية عندما أنفصلت سوريا عن الوحدة مع مصر سنة ١٩٦١ ؟ وأين التمسك بهويتنا العربية والمجازر التي يُغذيها بَعضُنَا تدور في الوطن العربي ؟ وأين قوة الهوية العربية ونحن نُجَاري العدو وننحاز له ونقف في خندقه ويدمر بَعضُنَا بعضا بسبب خلفية دينية ؟ وأين زخم ثبات هذه الهوية في نصرة الحق والعدل والمساواة ونحن نتباهى بنزاعاتنا وخلافاتنا الداخلية ؟ وأين ……… وأين ………..؟