بقلم: ابراهيم الشاهد
عصر يوم (19/آذار/2003)كانت المحال من حولنا تقفل ويودع الناس بعضهم بعضا للمرة الاخيرة.. وكأن القيامة ستحل في اليوم التالي..
كان صوت التلفاز يضج (بالمظاهرات) المؤيدة للقائد الذي شاءت الاقدار ان يوجه له رئيس الدولة المعتدية انذاراً بمغادرة البلاد خلال48 ساعة!! في اقسى اهانة يمكن تخيلها لرئيس دولة على وجه الارض.. والاغاني والاشعار تزدحم على ابواب تلفزيون الشباب وتلفزيون العراق/القناة العامة..
كنا على اعتاب فصل جديد من فصول محنتنا ومحنة هذا الوطن الذي اودت به الحماقات الى ولوج غياهب الضياع والفوضى والدمار.
لا ازال اتذكر تلفزيون الشباب وهو يستمر في عرض برامجه الاعتيادية وكأن لا شيئ على وشك الحدوث في الصباح التالي.. كانت الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل حينما كنا نشاهد الحلقة الثانية من المسلسل المصري (شربات)، وسرعان ما نقلنا تلفازنا الى قناة (sport tv) وهي تنقل مباراة من دوري ابطال اوربا… خلدت للنوم عند الواحدة بعد منتصف الليل.. لم اكن اتوقع انني ساعود لاصحو بعد حوالي 4 ساعات ونصف.. على وقع صوت صافرات الانذار وهي تكسر الصمت المطبق لفجر يوم الخميس في بغداد، ومنظر رشاشات مقاومة الطائرات وهي تمخر عباب السماء بشكل كثيف وعشوائي.
انطلقت صافرات الانذار.. انها الغارة.. الغارة التي بدأت ولم تنتهي حتى يومنا هذا.
قمت حينها مفزوعاً من نومي بعد اذان فجر الخميس 20/3/2003 على صوت اول صاروخ سقط في بغداد فيما عرف بضربة (الصيد الثمين).. وبعد برهة، وجدت موجات المذياع تتناقل خطاب الرئيس الامريكي بوش الابن وهو يعد العراقيين بالتحرير والخلاص وموجهاً كلامه الى جيشه قائلاً(ان آمال شعب مسحوق بين ايديكم الان).. وليتبعه بعد قليل خطاب مطنطن لقائد(الحواسم) الذي تخللته ابيات تلك القصيدة الشهيرة (اطلق لها السيف)!
ذاك السيف الذي يبدو ان القائد الهمام لم يشأ ان يطل برأسه كي يراه قد بلغ من الصدأ ما جعله غير قادر على حتى على ان يستخدم في معارك الجاهلية، فضلاً عن معركة للدفاع عن وطن وفي السنة الثالثة من القرن الحادي والعشرين..
لقد قاتل الجيش العراقي باسلحة كان احدث ما فيها يعود الى سبعينيات القرن الماضي.. ومع ذلك قاتل دفاعاً عن شرف الوطن، لانه لم يشأ لنفسه ان يغمد سيفه وان كان صدأً ويترك المحتل الغازي يمر من امامه ويطوي جنوب العراق محافظة بعد اخرى، وصولاً الى بغداد…فكانت ام قصر، والناصرية، والكفل، والمطار، وغيرها معارك سطر فيها العراقيون الملاحم التي تم تغييبها اما لان الحرب لم يكتبها سوى اعلام الاحتلال، او لان من شارك فيها من العراقيين لا زال لم يأخذ بعد قراره بان يكتب التاريخ، ليظل حبيساً في كهوف الذاكرة ينتظر دوره للخروج الى الشمس.