مقالات واراء

لماذا فكرة الدولتين محكومة بالفشل؟ | متى طُرحت هذه الفكرة؟ | لماذا إيران واسرائيل تعارضان هذه الفكرة؟

 

سمير باكير يكتب –
إن الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة يعني أن دولة أو هيئة دولية تعترف بفلسطين ككيان سياسي له حقوق ومسؤوليات مشابهة لبقية الدول المستقلة.

وبناءً على ذلك، تصبح فلسطين كدولة ذات حق مستقل في اتخاذ القرار بشأن شؤونها الداخلية والخارجية، بما في ذلك إدارة الأراضي والموارد والعلاقات الدولية. كما أن الاعتراف بفلسطين يمكن أن يتيح لها الانضمام كعضو كامل في منظمات مثل الأمم المتحدة واليونسكو والمحكمة الجنائية الدولية. ومن الواضح أن الدول الأخرى يمكنها أيضاً إقامة علاقات دبلوماسية مع فلسطين من خلال فتح سفارات أو مكاتب تمثيل، ما يعزز مكانة فلسطين الدولية.

الأبعاد الإقليمية لهذه الفكرة

أحد أبرز التحديات في الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة هو تحديد حدودها. فعادةً ما تشمل الأراضي المقترحة للدولة الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفق حدود ما قبل حرب 1967. ومع ذلك، فإن أجزاء من هذه المناطق لا تزال تحت سيطرة أو احتلال إسرائيل، مما يعقد المفاوضات بشأن الحدود. على سبيل المثال، تعتبر القدس الشرقية التي يراها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم، جزءاً من “أورشليم” التي تدّعي إسرائيل أنها عاصمتها الموحدة. كما أن توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يجعل إقامة دولة فلسطينية بحدود متصلة جغرافياً أكثر صعوبة.

متى طُرحت فكرة الدولتين؟

ترجع الجذور التاريخية لفكرة الدولتين إلى عدة مراحل، ولكنها طُرحت رسمياً لأول مرة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في نوفمبر 1947، المعروف بـ”خطة التقسيم”. وقد اقترح هذا القرار تقسيم فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين مستقلتين: واحدة يهودية والأخرى عربية، مع جعل القدس منطقة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن تفاصيل الخطة كانت مثيرة للجدل؛ إذ منحت الدولة اليهودية حوالي 56٪ من أرض فلسطين (بما في ذلك السهل الساحلي والنقب) رغم أن اليهود كانوا يشكلون نحو ثلث السكان فقط آنذاك، فيما مُنحت الدولة العربية نحو 43٪ (بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة).

وبالرغم من أن قرار 181 كان البداية الرسمية لفكرة الدولتين، إلا أن هذا المفهوم تطور لاحقاً عبر محطات سياسية ودبلوماسية مثل اتفاقيات أوسلو (1993-1995)، وخارطة الطريق للسلام (2003) التي قدمتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، وروسيا)، وكذلك مبادرة السلام العربية (2002).

ما هي الدول التي قبلت هذه الفكرة حتى الآن؟

حتى عام 2025، اعترفت أكثر من 140 دولة بفلسطين كدولة مستقلة. ومع ذلك، لم تتخذ العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، هذه الخطوة بعد. في السنوات الأخيرة، اعترفت بعض الدول الأوروبية مثل السويد بفلسطين رسمياً، كما تجري نقاشات في دول أخرى مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج للسير في هذا الاتجاه. وأحدث دولة أعلنت قبولها هي فرنسا التي أعلنت قبل أيام أنها ستعترف رسمياً بفلسطين في سبتمبر المقبل.

لماذا تعارض إيران هذه الفكرة؟

تدعم إيران تقليدياً فكرة “دولة واحدة” في فلسطين التاريخية، حيث يقرر الفلسطينيون (مسلمون ومسيحيون ويهود) مصيرهم عبر استفتاء شعبي. وهو موقف ثابت تراه طهران الخيار العادل والمستدام، وقد أكدت الأحداث عبر العقود وجاهة هذا الموقف.

ومع ذلك، كانت هناك مواقف فسّرها البعض كتغيير في الموقف الإيراني. على سبيل المثال، في عام 2023، صوّتت إيران لصالح قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعم حل الدولتين، لكن مع تحفظات قوية. كما نُقل عن بعض السياسيين الإيرانيين مثل محمد خاتمي القول إنه “إذا قبل الفلسطينيون (بما فيهم حماس) حل الدولتين، فإن إيران يمكن أن تقبله أيضاً”. غير أن الموقف الرسمي لإيران، كما أكده وزير الخارجية الأسبق علي أكبر صالحي، هو أن إيران حتى في حال قيام دولة فلسطينية لن تعترف بإسرائيل.

لماذا يعارض الكيان الصهيوني هذه الفكرة؟

ترى إسرائيل أن إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة قد يؤدي إلى تقوية جماعات مثل حماس التي تعتبرها تهديداً مباشراً. لكن سلوك إسرائيل، لا سيما في الأشهر الأخيرة، يشير إلى أن المعارضة تعود أساساً إلى أن هذه الدولة المحتملة تشكل عقبة أمام السيطرة الكاملة على الأرض.

فكثير من الإسرائيليين، خاصة المستوطنين والأحزاب الدينية الصهيونية، يعتقدون أن كامل أرض فلسطين التاريخية (من نهر الأردن إلى البحر المتوسط) هي ملك تاريخي وديني للشعب اليهودي. وفقاً لرواياتهم الدينية، يسمون الضفة الغربية “يهودا والسامرة” ويعتبرون التخلي عنها خيانة للصهيونية.

وللتدليل على عمق هذا الموقف، يكفي النظر إلى استطلاع أجرته صحيفة “هآرتس” في مايو الماضي، حيث أظهر أن 82٪ من الإسرائيليين يؤيدون طرد سكان غزة، و56٪ يؤيدون طرد المواطنين العرب داخل إسرائيل (الذين يشكلون نحو خمس سكانها الرسميين)، فيما أيّد 47٪ الإبادة المباشرة لأي فرد في غزة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى