اسليدرالتقارير والتحقيقات

للواء دكتور سمير فرج “الحرب الروسية الأوكرانية … الرابح والخاسر “

متابعة عادل شلبى

أوشكت الحرب الروسية الأوكرانية أن تنهي شهرها الثاني من القتال، الذي بدأ في 24 فبراير الماضي، فارضة سؤال رئيسي عمن الخاسر ومن الرابح من هذه الحرب، التي خلفت وراءها الكثير من الدمار والمشاكل الاقتصادية، التي تخطت الحدود الجغرافية لميدان الحرب، وامتدت للعالم كله.

والحقيقة أن الخاسر الأكبر، هي أوكرانيا، التي فقدت في الأيام الأولى، من تلك الحرب، البنية التحتية العسكرية لقواتها المسلحة، بعدما نجحت القوات الروسية في تدمير وسائل الدفاع الجوي الأوكراني، والقواعد الجوية، والمطارات، والطائرات، ومراكز القيادة والتجمعات الرئيسية للجيش الأوكراني، والرادارات، لتصبح سماء أوكرانيا مفتوحة أمام القوات الجوية الروسية والصواريخ البلاسيتية، لدرجة أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي طلب من حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية فرض حظر جوي فوق أوكرانيا، إلا أن الغرب رفض طلبه باعتبار الاستجابة له، الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما لا يسعى له الغرب.

كما فقدت أوكرانيا معظم البنية التحتية لكثير من مدنها، كمحطات المياه والكهرباء، وخطوط السكك الحديدية، والمستشفيات وحتى المسارح، وطال التدمير، سواء كلياً أو جزئياً، معظم المدن والقرى، القريبة من العاصمة كييف، ومنهم ماريبول، التي أعلن عمدتها تدمير المدينة بالكامل، مثل مدن خيرسون ولفيف وخاركيف وإقليم دونباس، وكذلك أوديسا الحاضنة لأهم موانئ أوكرانيا، مما تسبب في عجزها عن تصدير ما نجا محاصيلها من القمح والذرة، وهو ما سيتطلب عقوداً طويلة، قبل ان تتمكن أوكرانيا من إعادة بناء دولتها، اقتصادياً وعسكرياً. يضاف إلى كل ذلك التدمير المادي، تدميراً نفسياً ومعنوياً طال الشعب الأوكراني، جراء أهوال الحرب، المؤدية للتشتت الأسري، ووجود نحو 5 مليون لاجئ أوكراني، اليوم، في دول الجوار.

أما الخاسر الثاني، فهي روسيا، التي كبدتها، هذه الحرب، خسائر اقتصادية هائلة، ستتثاقل أعباءها على مستقبل روسيا، لتحد من فرصها للنمو والتنمية، نتيجة لاستنزاف مواردها الاقتصادية، علاوة على العقوبات الاقتصادية، الشديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة، ومعظم الدول التابعة لها، على روسيا والتي سيكون لها آثار سلبية على مؤشرات الاقتصاد الروسي، في المدى القصير والمتوسط، لتتأثر قدرتها على النمو الاقتصادي والتطوير العسكري.

أما الخسارة الثانية لروسيا، فتتمثل في تنامي العداء بين الشعب الأوكراني وروسيا، التي كانت ترى أن شعب أوكرانيا جزء من الشعب الروسي، وما مثله ذلك من صمام أمان تاريخي للحدود الروسية، أما اليوم، وبعدما تعرض الشعب الأوكراني لأقسى درجات الألم المادي والمعنوي، نتيجة لأعمال القصف والتدمير من القوات المسلحة الروسية، تجاه وطنه، وأمام حجم الخسائر البشرية، فلا أظن أن ينسى الشعب الأوكراني، أبداً، ما فعله الروس بهم. كما خسرت روسيا، حلفاء دوليين، يمثلون الكثير من الدول، التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، والذين صاروا يناصبوا روسيا العداء، وهو ما سيشكل تحدياً سياسياً ودبلوماسياً لروسيا في المجتمع الدولي، مستقبلاً.

والحقيقة أن أحداً لم يأمن ويلات تلك الحرب، فعلى المستوى العالمي، تأثر اقتصاد معظم دول العالم، بهذه الحرب، نتيجة لاضطراب سلاسل الإمداد، وتأثُر حجم المعروض سلباً، أمام ثبات أو زيادة الطلب، لينتج عن ذلك ارتفاع الأسعار، مثلما حدث لأسعار الغلال في العالم، والتي تعاني منها، بشدة، الدول المعتمدة على القمح والذرة الروسي والأوكراني، بشكل أساسي، إذ صار تدبير احتياجاتها من تلك الحبوب، النادرة نسبياً، يؤثر على موازناتها واقتصاداتها. مثلهم في ذلك مثل العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على الإمدادات الروسية، من الغاز والنفط، وعدم القدرة على تعويض الغاز الطبيعي الروسي، في المستقبل القريب، على أحسن تقدير، رغم محاولات الولايات المتحدة لتعويض هذا النقص من الاحتياطي الأمريكي، إلا أن المشكلة لازالت تهدد معظم دول أوروبا، وتمثل شبحاً مخيفاً، خاصة إذا ما استمر الوضع على ذات المنوال حتى مشارف فصل الشتاء. كما ارتفعت أسعار الوقود في العالم كله، لتضيف مشكلة أخرى لاقتصادات معظم الدول، المتقدمة منها والنامية، رغم تفاوت القدرة النسبية لكل فئة على امتصاص الصدمة.

وفي نظري فإن أول الرابحين، من هذه الحرب، هي الولايات المتحدة الأمريكية، بتحقيق هدفها بإضعاف القوى العالمية المضادة لها، لتعطيل فرص نموها باعتبارها غريمها الأزلي والتاريخي، لذلك تحاول أمريكا، حالياً، إطالة أمد الحرب، لضمان إنهاك الاقتصاد الروسي، من خلال إمداد أوكرانيا بالأسلحة وتدعيمها معنوياً وسياسياً. ويتربع المركز الثاني في قائمة الرابحين، بريطانيا التي تتفق مع أمريكا في ضرورة كسر شوكة روسيا، من خلال إنهاكها اقتصادياً، فضلاً عن مكاسب رئيس الوزراء جونسون بانشغال شعبه بهذه الحرب، عن أزمة إقامته لاحتفال، بمقر رئاسة الوزراء، إبان فترة الحظر الصحي لفيروس كورونا، وهي الأزمة التي انتهت بتوقيع غرامة، بعدما كان مهدداً بفقدان منصبه. كما حقق حلف الناتو بعض المكاسب، باستعادة بعض قوته وسيطرته، خاصة وأن الرئيس الفرنسي ماكرون قد وصفه، من قبل، بأنه “في حالة موت سريري”.

وهناك من لا يصنف رابح أو خاسر، مثل ألمانيا التي تواجه مشاكل نقص إمداد الغاز الطبيعي من روسيا، ولكنها تعلمت درس ضرورة الاعتماد على قواتها، وليس على حلف الناتو، في حماية حدودها، فقرر مستشارها تخصيص 100 مليار يورو، من موازنة العام الحالي، لدعم جيش بلاده، وتعزيز قدراته بشراء 35 طائرة حديثة من الولايات المتحدة … وهكذا فإن هذه الحرب خلقت العديد من المصالح والمآسي لدول العالم، وليس لروسيا وأوكرانيا، فقط.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى