أخبار إيرانأهم الاخبار

لحظة انهيار قوى خامنئي في سوريا

تحليل شامل عن سقوط بشار الأسد و هزيمة استراتجية للنظام الإيراني في سوريا

احجز مساحتك الاعلانية

العاصفة التي اجتاحت سوريا من 27 نوفمبر إلى 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024 وهزت نظام خامنئي طرحت سؤالًا مهمًا: ما هو العامل الرئيسي في انهيار سريع لنظام بشار الأسد؟ هذا السؤال نابع من صراع فكري أعمق يدور حول المدى الحقيقي للقوة الحاكمة في إيران. لماذا، رغم امتلاك إيران لجيش يتكون من 100 ألف جندي ومئات القواعد العسكرية في سوريا، انهار النظام الإيراني في اللحظة الحاسمة من تاريخ هيمنته على هذا البلد ولم يتمكن من الحفاظ على أهم حلفائه في المنطقة؟

في الإجابة على هذا السؤال، لا أحد يكرر نظرية تأثير القوى الأجنبية أكثر من خامنئي. في أول خطاب له بعد سقوط بشار الأسد، اختصر سبب هزيمته بالقول إنه في الأيام الأخيرة “منعت الطائرات الصهيونية والأمريكية” طائراته من عبور الأجواء لإرسال “العتاد، الأفراد، والجنود” إلى “حدود الزينبية”.[1]

من الناحية المنطقية، هذه مغالطة واضحة وتحريف للحقائق. خامنئي قدم ما يريد شرحه كسبب بدلاً من تقديم دليل منطقي. الأمر كما لو أن ملاكمًا تم ضربه بالضربة القاضية يشرح سبب هزيمته بضربة قوية من خصمه، بدلاً من أن يعترف بعدم قدرته أو تسرعه الذي سمح للخصم بالفرصة للتوجيه تلك الضربة التي لم يتمكن من تحملها.

كيف يجب أن نرى سقوط دكتاتورية بشار الأسد؟ هذه الحادثة لها طابع مزدوج: من جهة تكشف عن أزمة نظام ولاية الفقيه – أزمة تهدد وجود هذا النظام نفسه – ومن جهة أخرى، هي حلقة في عملية سقوط النظام الإيراني.

سرعة الأحداث في شهر كانون الأول، اضطراب خامنئي، انهيار قوات حرس النظام الإيراني في سوريا، وردود فعل النظام اللاحقة يمكن تفسيرها كلها ضمن هذه العبارة.

المسألة ليست في أن ضربة عسكرية كبيرة وُجهت للنظام. رغم أنه من الناحية العسكرية والاستخباراتية، ما حدث هو تدمير الجزء الأكبر من آلة الحرب الخاصة بالنظام في المنطقة، وهو أمر لا يمكن تعويضه. كما أن المشكلة ليست في أن الممرات الاستراتيجية للنظام لدعم وحفظ حزب الله قد دُمرت،[2] بل ما هو أبعد من ذلك، حيث انهار أحد أركان بقاء نظام ولاية الفقيه. فمنذ سنوات، كان النظام قد أقام روابط وثيقة بين وجوده ومواقعه في سوريا كوسيلة للهروب من الثورة والسقوط. هذه الروابط لم تعد موجودة.

فيما يتعلق بحرب غزة، التي كان خامنئي أحد مؤسسيها وأحد أطرافها الرئيسية، قال قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي بوضوح وحسم: “أكبر الخاسرين الاستراتيجيين في هذه الحرب هو خامنئي”. في 8 كانون الأول، وصل الخسران الاستراتيجي إلى ذروته في دمشق، مما أدى إلى تدهور النظام إلى مستويات هزيلة.

الأحداث التي استمرت 11 يومًا في سوريا، كدليل متكامل، تقدم وثيقة حاسمة لرؤية العيار الحقيقي لقوة حرس النظام الإيراني. لقد تم اختبار القوة العسكرية ومجموعة القدرات المختلفة للحرس في سياق معركة حاسمة.

لحظة انهيار قوات النظام، وخصوصًا لحظة بدايتها في منطقة حلب، تعتبر في غاية الأهمية. هذه اللحظة تمنح فهمًا جديدًا لمسار تدهور قوة النظام، وهو بالضبط ما يسعى النظام لتغطية التستر عليه.

إن لحظة بداية انهيار قوات حرس النظام الإيراني ليست مجرد مسألة تكتيكية، بل هي تجسيد لضعف أساسي في النظام بأسره. بمعنى أنه لو كانت لديه القوة والقدرة الكافية، لكان بإمكانه منع هذا الانهيار.

وكالة تسنيم للأنباء – وهي الوسيلة الإعلامية الرئيسية التابعة لفيلق القدس في حرس النظام الإيراني – تقدم صورة لافتة عن ساحة المعركة الأولى: “من الناحية العسكرية، في الضواحي الغربية لمحافظة حلب، حيث بدأت الاشتباكات، كان للمقاومة حضور كبير. تقول الجماعات المعارضة أن للمقاومة أكثر من 30 قاعدة في هذه المنطقة، بينما في الخرائط التي لا تكبرها المعارضة، يقولون إن المقاومة كانت على الأقل تسيطر على 17 نقطة في هذه المنطقة”.[3]

هذه التقارير لا تترك مجالًا للشك في محدودية الإمكانيات العسكرية للنظام في مواجهة القوة الصغيرة للمعارضين.

أما بالنسبة لعدد قوات النظام، فالدليل الأهم هو مقابلة مع رئيس روسيا. الحكومة الروسية هي الطرف الأكثر اطلاعًا الذي يمكنه التعليق على أحداث تلك الأيام في سوريا، حيث كانت مشاركة في هذه الحرب. منذ عدة سنوات، كان لدى روسيا 21 قاعدة هامة و93 نقطة عسكرية في مناطق مختلفة من سوريا، بالإضافة إلى قاعدة جوية كبيرة في اللاذقية وقاعدة بحرية كبيرة في طرطوس.

قال الرئيس الروسي في مقابلة مع التلفزيون الحكومي: ” “350 من مقاتلي المعارضة دخلوا حلب، وانسحب 30 ألف جندي من القوات الحكومية والقوات الموالية لإيران دون قتال، وفجروا مواقعهم وغادروا. وحدث وضع مماثل في جميع أنحاء سوريا”

وفقًا لهذه الرواية، فإن قوات خامنئي وبشار الأسد التي يبلغ عددها 30 ألف جندي قد تعرضت للهزيمة بمعناها الدقيق في تلك اللحظة. المصادر التي تحدثت مع وكالة رويترز خلال هذه الحرب أكدت أن “القوات الإيرانية والجماعات المتحالفة معها كانت تسيطر على القيادة… وكان معظم هيكل القيادة العملياتية للجيش السوري يُدار من قبل المستشارين العسكريين الإيرانيين والجماعات المتحالفة معهم. وقد تركت مغادرة الإيرانيين المفاجئة الجيش السوري في وضع حرج وبدون قيادة، مما أدى إلى سلسلة من الانسحابات المتتالية”.[4]

ماذا حدث في تلك اللحظة الاستثنائية في قيادة حرس النظام الإيراني؟ من الساعة الأولى، كان مركز القيادة لديهم مسرحًا للاشتباكات والقتال الداخلي. في نفس اليوم، أعلن النظام أن العميد كيومرث بورهاشمي، قائد الحرس، قد قُتل. لكن بعد أسبوعين من الصمت، تم الإعلان عن الحادث بشكل غامض وقالوا إنه قُتل على يد “عميل أمريكي”.[5]

استخدام مصطلح “عميل أمريكي” يشير إلى عنصر داخلي قد يكون من قوات الحرس أو من قوات بشار الأسد. في كل الأحوال، في لحظة بداية الحرب، فقد النظام قيادته بسبب الصراعات الداخلية. هذه الحلقة تمثل جزءًا من نفس الانهيار.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى