ليست العنصرية سمة بدائية، ولا ذيلا توارى مع التطور البشري المزعوم، ولا أعتقد أن الإنسان قادر على التخلص من أغلالها الثقيلة يوما. يمكنك فقط أن تدّعي، لكنك حتما ستسقط عند أول اختبار لكشف القناعات. وربما تكتشف أنك عشت زعيما لفئة من العنصريين تخدم دون وعي أغراضهم اللئيمة لإسقاط الآخرين ومحقهم دون رحمه. إن كنت لا تصدق مزاعمي، فاختبر نفسك.
كان العرب قديما يقولون: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما،” فالأخ دم والدم عصبية، ومن المنطق العربي أن تكون أنت وأخوك ضد ابن عمك إن اضطررت، فدم يسري في عروقك لن يكون كدم محقون وإن اختلط بخلايا جسدك واخترق الشرايين والأوردة ومخض القلب صبحا ومساء. ولن يتساوى رجل يحمل جواز سفرك أو لون غترتك أو لقب قبيلتك أو التواء لسانك، مع رجل من أقاصي المحيط يرفع علما ليس علمك ويدين لإله غير إلهك وينتهج عادات ليست كعاداتك.
إن كنت طبيبا، ستتحزب لنقابتك، وتدافع عن مشفاك وإن كانت تفتقر إلى أدنى مقومات الوقاية. وإن كنت مدرسا، ستدافع عن حقوق المعلمين المهضومة لأن من حقك أن تحيا حياة كريمة تليق بمعلم أجيال. إن كنت ضابطا ستدافع عن حقوقك في الامتيازات التي منحت لك، لأنك تضع كفنك فوق كتفك كل صباح. وإن كنت قاضيا أو لاعب كرة أو فنان، ستجد آلاف المبررات لتميزك عن عامة المطحونين. أما لو كنت أحد التعساء المنكوبين الذين ليس لهم من حظ في الحياة الدنيا، ستبادر إلى اتهام الجميع بالظلم والقسوة والأنانية. لكن ماذا لو تغير حظك فجأة، ووجدت نفسك تقف خلف السياج الفاصل بينك وبين الحلم؟ ماذا لو وجدت نفسك تلبس جلد غريمك وتحظى بما أوتي من نعم؟ هل تظل ثابتا عند مبادئك الأولى، مخلصا لشعاراتك القديمة عن حق الجميع في العيش والحرية والكرامة؟ هل تخرج وأنت لاعب كرة لتدافع عن حقوق المعلمين؟ أو تنضم وأنت قاض لحزب يساري يطالب بالمساواة بين رجل الشارع والجالسين فوق المنصات العالية؟ هل تكرس فنك للدفاع عن مطالب الأطباء لنيل حقوقهم المشروعة؟ أسئلة أجاب عنها “جورج شيلر” في روايته المبدعة “لا مزيد من السود” والتي ينتقد فيها أوضاع الأقلية السوداء في أمريكا، وما تلاقيه من عنت على يد المواطنين البيض في سخرية لاذعة.
يشعر “ماكس ديشر” المواطن الأفروأمريكي بالإهانة بعدما ترفض شقراء الرقص معه لمجرد أنه زنجي. ويقرر التوجه من فوره إلى عيادة الدكتور “كروكمان”، الذي أعلن عن عقار يزيل سواد البشرة، لتغيير صبغة جلده. وبالفعل ينجح الطبيب الأسود في إزالة الميلانين من بشرة ماكس، ليتحول إلى تمثال من الشمع الأشقر. ويتغير الاسم كما تغير الإهاب، فيتحول “ماكس ديشر” إلى “ماثيو فيشر” الذي يقرر مطاردة حلمه حتى النهاية، فيتودد إلى والد الفتاة التي أهانته حتى يصبح واحدا من زعماء مؤسسته العنصرية البغيضة. وتمتد أحلام الفتى لتشمل كل المحاذير السابقة، فيطارد المال حيث وجده، ويحقق ثراء مشبوها يمكنه من دخول معترك السياسة. ويستمر الدكتور كروكمان في تفريخ “البيض الجدد”، وينال شهرة واسعة في طول البلاد وعرضها، ويقبل عليه السود من كل صوب وجهة. وشيئا فشيئا يفقد الليل الأمريكي سواده، وتقفر أحياء الزنوج، الذين يتحاشون الذهاب إليها فيُتهمون في أصالة بياضهم. وتبرز معضلة أخرى. إذ يكتسب السود المتحولون بشرة أشد نصاعة من بشرة خلطائهم البيض، فيطالب البيض الأوائل بإجراء فحوص تميز البيض بالوراثة عن نظرائهم المتحولين. وفي النهاية، تضع زوجة ديشر البيضاء طفلا ملونا يفضح حقيقة والده المتلون.
الضعة لم تكن في جلود الملونين إذن، ولكنها في عقول وأفئدة الذين يستغلون البياض لتحقيق مآربهم السوداء. إن كنت لا زلت مصرا- عزيزي القارئ – على حياديتك ونزاهتك وعدم انحيازك، حاول أن تتجرد من لون إهابك، ومن تاريخ قبيلتك وطبيعة مهنتك، وانصر أخاك ظالما أو مظلوما ولكن بمفهوم أوسع، بأن تنتصر له إن كان مظلوما وترده عن غيه إن كان ظالما. تجرد من تحزبك وعدوانيتك ضد الآخر، لمجرد أنه ليس من عرقك أو دينك أو زمرتك، واعرض قضايا الناس على عقلك قبل قلبك، وانتصر للحق قبل انتصارك للعشيرة، وانتصف للمظلوم وإن كان عدوا، ودافع عن الحقوق دون النظر إلى أصحابها، هذا إن أردت أن تتجرد من ذيل الهمجية والعنصرية الذي لن تخفيه ثيابك الملونة وسروالك الفضفاض.