نقعُ في فخ “البكاء على اللبن المسكوب” في كثير من الأحيان، ونعيشُ في وهمٍ كبيرٍ هو “عودةُ الفرصةِ الضائعة”، وننسى التعلم من دروسها.. مَنْ مِنَّا لم يتألم لظَنِّهِ أنه الوحيد في هذا الكون الذي يَكْدَحُ ويجْتَهد، وأنه أذكى خَلْقِ الله – سبحانه وتعالى؟ – وللأسف لا يشعر بوجوده الآخرون.. مَنْ مِنَّا شَخَّصَ وحَلَّل بِصِدْقٍ الأسباب الواقعية لخسارة وظيفةٍ أو صديقٍ أو ترقيةٍ، وَكَتَبَ أسبابَ الفشلِ وَعَمِلَ على تغييرها سواء بالدراسةِ أو بالقراءةِ أو بالتدريبِ أو بتأهيلِ الذات، بدلًا من صَبِّ جَمِ غَضبه على الحَظ والواسطة والظروف. البَشَرُ صِنْفَانٌ.. الأول، وللأسفِ هو الغالِبُ الأَعَمُ، هو مَنْ يُلقِ التُهَمَ على الآخرين، ودائمًا ما يبحثُ عن شَمَّاعةً يُعَلِّقُ عليها فَشَلِهِ، وينْتَظِرُ أسْهَلَ الحُلولِ أو يدْخُلُ في موْجَةٍ من الاكتئابِ والحُزْنِ. أما الصِنْفُ الثاني، هو مَنْ يتعلمُ من أخطائِه ويعملُ على معالجتها، فهو يُوقِنُ أن كلَّ عَثْرَةٍ تُؤَهلُهُ لِتَعَلُّمِ مهاراتٍ جديدةٍ، ولولا أخطاء أجدادنا لَمَاَ تعلَّمْنَا أنَّ الكَهْرُباءَ تَصْعَقُ، وأنَّ النارَ تَحْرِق. عزيزي القارئ.. الفرصُ الضائعةُ بالنسبةِ لكِ مِثْل “البَرَّاية” للقلمِ الرَصاص، فهى تأكلُ مِنْ جَسَدهِ وعُمُرُهِ ليَتَحَسَّنُ أدائه ويَكْتُبُ بجودةٍ أفضل… بَلْ دَعَنَا نُطْلِقُ شَعَارًا جديدًا هو أن “الفشل أول طريق النجاح”، فكلِ رموزِ العلمِ والفِكْرِ والفَنِ استفادوا من فَشَلِهِمِ السابق، فالعَبْقَريُ منهم لا يُطْلِقُ على الفُرْصَةِ الضائعةِ “فشل”، بل تُسَمَّى “تجربة”. ونذكر هنا، عندما سأل صَحَفِي “توماس أديسون” عن شعورهِ نحو 25 ألف محاولة فاشلة قبل النجاح في اختراع بطاريةٍ تخزين بسيطة، والذي أجابه قائلًا: “لست أفهم لِمَ تُسَمِّيها محاولات فاشلة؟.. أنا أعرفُ الآن 25 ألف طريقة لا يُمْكِنُكَ بها صُنْعَ بطَّارية.. فماذا تعرفُ أنت؟” وجاء هذا الرد ليُبَرْهِنُ فلسفة اليقينِ بأن الإنسان عليه أن يسعى باجتهاد ويَطْرُقُ بابَ التوفيقِ مَرَّاتٍ ومَرَّات، ولا يَيْئس. ونذكر أيضًا أن “أديسون” في 25 ألف تجربة لم يُكَرِّرُ أخطائه، بل كانت كلِ تجربةٍ هي التطورُ لنتاجِ الجهودِ السابقةِ حتى كُتِبَ له النجاح، وكان يُحَلِّلُ أسبابَ فَشَل كل تجربة حتى توصل إلى النتيجة المرجوة في النهاية. بالمناسبة.. دعني أسألك سؤالًا عزيزي القارئ.. ماذا يحدث لك إذا تقدمت للعمل في وظيفة بشركة مرموقة وعلمت أن الراتب 50 ألف دولار شهريًا ولم يُكْتَبُ لك النجاح؟ لن أجيب بدلًا عنك، ولكن دعني أحْكِي لك قصة شاب ذهب للالتحاق بالعمل في شركة “تويتر” يوم 23 مايو 2009، حيث فشل في الاختبار الأول، ثم كرَّر المحاولة في 3 أغسطس 2009 للالتحاق بالعمل في شركة “فيسبوك” وحدثت نفس النتيجة، لكنه دائمًا كان متسلحًا بالأمل والعمل الدؤوب والصبر على التعلم وتطوير الذات وعدم إلقاء التهم على الآخرين. نجح هذا الشاب ويُدْعَى برايان اكتون في عمل برنامج “واتس آب” للمحادثات على الهواتف الذكية، ونجح في بيع البرنامج إلى شركة “فيسبوك” نظير 16 مليار دولار، أو بمعنى أدق – راتبه في أكثر من 1300 عام – ولن أكون مبالغًا في ذلك، فإنه لو كان نجح في الوظيفة الأولى أو الثانية لَمَا تمتَّع بهذه الروح من التحدي وثَقْلِ الموهبة بالدراسة حتى وصل إلى هذه المكانة، ولكن الفكرة هنا أن النجاح يأتي مستحقيه. ودعني أخْتَتِمُ حديثي بأن كُلُّنَا يَكْرَهُ الفشل، وكثيرًا ما يكونُ الفشل في تجربة هو مفتاح نجاحنا إذا طوَّرنا من مهاراتنا وغيَّرْنا من طريقةِ تفكيرنا بالصدق مع النفس، ثم مواصلة التعلم سواء ذاتيًا أو نظاميًا.