رئيس قسم نظم المعلومات بكلية الحاسبات جامعة حلوان وأنا أستعد للإدلاء بِصَوْتي في انتخابات مجلس النواب المقبلة، انْتَابَتْني حالةَ من السعادةِ، لإحْسَاسي بأهمية صَوْتي الانتخابي ودَوْرِي في الحياةِ السياسيةِ.. نَعَمْ، مِصْرُ مَرَّت بثورتين عظيمتين، ولذا تستحق منِّي أن أشاركُ في هذه العملية التي تُمَثِّلُ خُطْوَةً نَحْوَ الديمقراطيةِ التي نَادَيْنَا بها في ثَوْرَتَيْنَا.. “مِشْ هَسْتَخْسَر صُوتي في مصر”. بِحَمْدِ الله –سبحانه وتعالى- اخترت النائب “الهُمَام” الذي سأعطيه صَوْتي رُغْمَ أنه “قريبي”، ليس لشيء إلا أنه الأفضل – وليس مَعَاذَ الله- لأنه ساعدني في نَقْلِ ابني إلى مدرسةٍ قريبةٍ من المنزل، أو لأنه “وَظَّفَ” ابْنَةَ أخي بشركةٍ كبيرةٍ، أو لأنه رشَّحني للحَجِّ على نفقة الدولة “مِنْ كَذَا سنة”. حَسَمْتُ الآن اختياري وَسْطَ هذا الشعور بالسعادة، وإذ بصوت ضميري يحادثني قائلًا: “باختيارك ده أنت خنت الأمانة.. أنت سبب في كثير من مشاكلنا اللي بنعاني منها في بلدنا.. أنت أسير نفسك ورغباتك”، وإذ بي أرد على كل هذه الاتهامات قائلًا: (لا، وألف لا.. أنا مواطن مصري وبحب بلدي). وإذ بذلك الصوت يعود ليوجِّه لي أسئلة في انتظار أن أجيبه عنها، ومنها: “ما هو دور عضو مجلس الشعب؟، فأجبته بكل ثقة (التشريع من خلال اقتراح القوانين ومناقشتها وتعديلها.. ومراقبة أداء العمل الحكومي.. والموافقة على المعاهدات الدولية والموازنة العامة للدولة ومناقشة كافة بنودها لما فيه صالح الوطن والمواطنين.. والتواصل مع أبناء الدائرة الانتخابية لإيجاد قناة اتصال بين احتياجات المواطنين والحكومة). وَإِذْ به يَنْفَعِلُ عليَّ قائلًا: “إذًا هذا النائب قد يتَّخذُ قرارًا بالموافقة أو الرَّفْضِ لدخولِ حَرْبٍ أو تغيير حكومة أو تعديل موازنة الدولة أو تطوير منظومة الصحة أو التعليم أو النقل… إلخ”. وبِكُل ثِقَةٍ أجبتُ ضميري أن لَدَيّ رَأْيٌ يقول: إن اختيار نائب من العائلة هو الأفضل، ولا يَشْتَرِطُ أن يكونَ كل النواب مُهْتَمون بالتشريع أو قادرون على قراءة موازنة أو قادرون على المشاركة في قرارات قد تؤثر على شعب مِثْل الحروب أو معاهدات السلام.. “نائب واحد مش هيأثر، البركة في باقي النواب يا سيدي”. قَاطَعَنِي ضميري لِيَحْكِي لي قِصَّةً، يروي في تفاصيلها أن مجاعةً حدثت بإحدى القرى، فلم يجد الأطفال من أبناء الفقراء الحليب الكافي لإبقائهم على قيد الحياة –فأمهاتهم تَيَبَّسَت أثديتهن جراء المجاعة- وهنا جهَّز الحَاكِمُ إناءً كبيرًا ووضعه في منتصف القرية، وطالب أهل القرية “القادرين” بِتَبَرُّعِ كلٍ منهم بكوبٍ من الحليب لِيُنْقِذُ أطفال القرية من الفقراء. واستأنف ضميري قصته ليقول، بالفعل بدأ أهلُ القريةِ بتنفيذ طَلَبِ الحَاكِمِ، وخرج القادرون منهم في الظلام أثناء الليل لِيَسْكُب كل منهم ما يحويه الكوب الخاص به في الإناء الذي وضعه حاكمهم، واستمر هذا الفعل حتى الصباح، وكَشَفَ الحَاكِمُ الغِطَاءَ عن الإناءِ، فكانت المفاجأة، الإناء ممتلئ بالمياه عن آخره، ولا وجود لقطرة حليبٍ واحدة فيه، ونتيجة لذلك لم يجد أطفال الفقراء ما يبقيهم على قيد الحياة “فماتوا جميعًا”. صَمَتَ ضميري لبرهةٍ بعدا انتهى من قصته، واستغللت ذلك لأقول له: “لماذا تُوَجِّهُ لي اللوم، وأنا أستعد للإدلاء بصوتي في انتخابات مجلس النواب المقبل؟.. ولماذا تُخْبِرُني بهذه القصة التي لم أفهم مَقْصِدُكَ منها؟” فأجابني: “أنتَ مِثْل مَنْ وَضَعَ كوبًا من المياه بدلًا مِنَ الحليب”، وهنا لمْ أمْلِكُ إلا أن أُصَارِحُ نَفْسي بأنني أخْطَأْت، واعْتَرَفْتُ بذلك أمام ضميري الذي كان أصْدَقُ معي من كثيرين حَوْلِي. عزيزي القارئ.. يَجِب وبِصِدْقٍ أن تُشَارِكُ في العملية الانتخابية مشاركةً إيجابية، ولِتَفْعَل ذلك عليك أن تُقارِنُ بين برامج المُرشَّحين المختلفة، ثمَّ تختارُ المُرَشَّحَ الذي يَمْلِكُ من أدواتِ العلم والخبرة والنزاهة أن يَصْلُحَ نائبًا برلمانيًا لمصر مُنَزَّهًا عن شُعورِ القَبَلِيَّةِ أو العائلية أو الدِيَانَةِ أو المصلحة المباشرة أو غير المباشرة. أمَّا مَنْ يَذْهَبُ ويُعْطي صَوْتَهُ بلا تفكير أو وعيٍ فهذا يُسَمَّى بالمشاركةِ السلبية والتي دفعت مصر ثمنها غاليًا مِنْ قبل. وأرجو أن يَحْكُمَ كلٌ مِنَّا ضميره، لِنُعْلِيَ المصلحة العامة ونختار نائبًا برلمانيًا قادرًا على القيام بدوره على الوجه الأكمل.