الشاعر خلف الحديثي
كانوا هناك
مطري صدوقٌ مالُ غيمِكَ يكذبُ
ونزيفُ رعدِكَ في دماكَ مُحدّبُ
وسماءُ جرحِكَ لفّها وجعُ الثرى
ودماكَ منْ ضلعِ المآتمِ تشخبُ
بي صرختانِ وكلّ صيحاتِ المتى
هذا الدمارُ منَ العراقِ سيذهبُ
فأنا حريقٌ واشتعالُ صبابةِ
وأنا تواريخٌ لأمسي ترغبُ
بي طلقتانِ تُخيطُ جلدَ مواجعي
وتعيدُ رسمَ خريطتي وترتّبُ
بي صوتُ أرملةٍ يضاجعُها الطوى
وبها مراسيمُ البكا تتعذّبُ
بي كلّ ما في الكونِ منْ مطرِ الأسى
وأنا أساي أظنُّهُ لا يغربُ
في ساحةِ الطيرانِ وجهٌ مُتعبٌ
وفمٌ يصيح وآخرٌ يتكسّبُ
يتحاورونَ على مفارشِ جوعِهم
ولهم وعودُ البرلمانِ تُطيّبُ
وعيونُهم لا تستريحُ ترقّباً
وبهمْ تنمّر في الضلوعِ المخلبُ
وجروحُهم طينُ الثرى يمشي بها
للماءِ حيثُ فراتِهم يتلهّبُ
يتنافسونَ بهم براءةُ طيبةٍ
ولهمْ بساحاتِ المجاعةِ مكتبُ
( حاجة بربع كلشي بربع ) وعيونُهم
بالزائرينَ القادمينَ ترحّبُ
كانوا شباباً يا جمال جمالِهم
منْ كلّ ما يجري بهم لا تتعبُ
أصواتُهم مثل الغناءِ سلاسةً
وصخورُ هذي الأرضِ نشوى تطربُ
قد يرجعونَ وقد يلوكُ جسومَهم
تفجيرُ مجنونٍ لهم يترقّبُ
أو ربّما لا يرجعونَ وبابُهم
منْ خلفهم لحضورِهم يتوثّبُ
رحلوا وحلمُ اللهِ في أحداقِهم
ميْتٌ يقمّطُهُ الدّمارُ ويصخبُ
قتلوهُ واحتفلَ النحيبُ بموتِهِ
وهو الغريبُ إلى الغريبِ مُقرّبُ
ماتوا جميعاً لم تمُتْ أرواحُهم
لكنْ غدتْ نحو الملاعبِ تلعبُ
ما غادروا ما زالَ خبزُ نهارِهم
في بابِ مقبرةِ الختامِ يُعطّبُ
فارجعْ لنفسِكَ لُمَّ نفسَكَ حاسراً
عن وجهِكَ المملوءِ فيما يُتعِبُ
فخطاكَ تنتظرُ الطريقَ لعودةٍ
ويدٌ وراكَ سنينُ عمرِكِ تَشطبُ
عدْ مرّةً هذا الرصاصُ صديقُنا
أطفالُنا فيهِ احترافاً تَكتبُ
عدْ لي فوحدي أشتهيكَ بثوبِهِ
عبقُ الدّماءِ بها يُصلّي كوكبُ
عن ساحةِ الطيرانِ وجهُكَ غائبٌ
وبساحةِ التحريرِ رأسُكَ يَخطبُ
كانوا هناكَ تحفُّهم ألعابُهم
والكلُّ من خيرِ السّما يتسبّبُ
مَنْ مثلُهم في موتِهمْ وكفاحِهم
عنْ حبّهم لبلادِهم قد أعربوا
وهناكَ مشعولُ به شبّ اللظى
ولهُ كوانينُ المواقدِ تعطبُ
حيرى هناكَ على مساحةِ جرحِها
رَجع الدخانِ يخطّ ما لا يُحسبُ
وقفتْ وعيناها بها مشبوحةٌ
نحو الطريقِ وصوتُها متخشّبُ
في رأسِها ألفُ احتشادٍ للرّؤى
يعرى وتنتظرُ الصبيّ وترقبُ
مفجوعةٌ دَهسَتْ مناها صرخةٌ
في حبلِها السريّ راحَتْ تثقُبُ
كانَتْ وتدري منْ عجاجةِ قلبِها
ستظلّ في عطشِ المواكبِ تنحبُ
لا تفتح الباب المخلّعِ خلفَه
شبحٌ لقتلِ الإبتسامةِ مُرْعبُ
ما عادَ في التنّورِ خبزُ (خديجة)
كلّا ولا أطفالُنا تتهيّبُ
فمتى أيادينا ستمنحُ نفسَها
ظلاً به أقدارُنا تتغيهبُ
ومتى إلى كلّ الجهاتِ سننتمي
وأرى انتمائي وحدَهُ يتمذهبُ
أدريكَ عن بيتِ الوداع ستنزوي
فالقبرُ مأهولٌ ودفنُكَ يصعبُ
يا أيّها الآتي وكلُّكَ لعنةٌ
ماذا حصدْتَ وأيّ شيء تَكسبُ
في البرلمانِ عصابةٌ بجحورها
بؤرُ الفساد على الخطى تتقلّبُ
ماذا لو انّكَ بينهم فجّرتَها
غضباً وخلفتَ النوادبَ تندبُ
وبموتِهم ودمارِهم وفنائِهم
قربى إلى ربّ السّما تتقرّبُ
*
21/1/2021