يقول شاعرنا الكبير//
وتَــنْـــأَيْــــنَ عَـــــــــنِّـى. .
فَـــــأىُّ اغْـــتِــــــــــــرَابٍ
يُهَدهِـدُ رُوحَ الغَـرِيبْ ؟!
وأىُّ زَمَــــــــــــــــــــــــانٍ
ـ إذا أنْتِ عنِّى ابتَعَدتِ ـ
لِــقَـلــــــبِـى يَــطِــيــــــــبْ ؟!
تلك الدرة الخالدة قلادة علي صدر ديوان بعنوان
“لا يدرك الهِرم النجوم “
دار القاهرة الطباعة والنشر..
2012
يتضمن الديوان عدد من الدرر الشعرية المعجونة بندى الصبح الحنون الأنيق معان بكر وحروف تتدلي كعناقيد الكرم وهمس كالنجمات وشاح علي كتف الليل البهيم..!
اماتلك القصيدة محور حديثنااليوم” عينان هماالبحر” فقد كانت اكثر حظا من اخواتها حيث ابت ان تسكن قلب الأوراق وفرت عابثة بالقلوب تتنقل كفراشة حالمة من غصن لغصن ومن قلم لقلم ومن عزف لعزف.. ندوات مختلفة تناولتها… ونقاد وكتاب كبار تعرضوا لها بمقاربات نقدية ودراسات مبهرة وجادة..!
وممن كتب فيها بعمق وسحر نعرض لكم تلك المقاربة النقدية الرائعة التي تُعد بحق بحث اكاديمي يدرس..!
لمعالي الناقد الكبير المبدع العلامة الأستاذ دكتور “عبد الله بك كراز ”
فنجدة يقول في دهشة وحضور..
عيون البنيوية السيمائية في عتبات “عينان هما البحر” للشاعر حمدي شتا
يولد في كل نص شعري دلالات وعلامات واشارات بنائية وتركيبية وجمالية و ثيماتية (فكرية) وبما يتيح للقارئ تذوقه فيما تعكسه عيون عتباته، كما في قصيدة “عينان هما البحر.” ففي رؤى النقد البنيوي السيميائي و فرضياته لا بد من التعريج على الاشارات السيميائية للنص الشعري بهدف الكشف عن الجماليات متعددة المستويات وتوضيح أفكار النص ورؤية الشاعر بناء على تجربته الحياتية المعتمدة على ثقافته وقناعاته وعمره وعلومه واهتماماته، ويدفعنا هذا النقد الى دراسة مكونات النص المعجمية والايقاعية والصرفية والنحوية والبلاغية والرمزية.
في عنوان النص ثلاث الفاظ او مفردات: “عينان” – اسم مثنى – و “هما” – ضمير منفصل – و”البحر” – اسم مجرد، فالأول يحمل اشارة الى عضو الابصار في الجسم والثاني ضمير منفصل – هما – ويحمل دلالة الاشارة الى الاسم المثنى الأول، والثالث “البحر” يحمل دلالة الطبيعة وتجليات المكان وعنفوان الحياة وديمومتها، لتتحول صورة العينين في عتبة العنوان ولوحة القصيدة الى بؤرة سياقية يبني الشاعر عليها أساسيات نصه وتجربته الشعورية ورؤيته لصاحبة هاتين العينين، ولتصبح المفردة نواة النص وبؤرتها المركزية ضمن نظام شاعري لغوي سيميائي يمنح القارئ اشارات وعلامات محورية تتعدى التفسير اللغوي السريع السطحي. إن لفظة “عينان” – بجانب أنها مفردة تدل على عضو الرؤية و الإبصار لدى الكائن الحي وخاصة الانسان، فهي تشير الى عنصر الجمال والجاذبية ورمز الاغراء وحُسن الطلعة.
فالشاعر هنا يحيلنا الى نظام تفسيري متعدد المستويات والدلالات مانحة النص مدلولات مفتوحة لدى المتلقي، لتصبح عتبة عنوان النص دالة على مدلول حبيبته التي نأت عنه في أعز وأصعب وقت لديه، ثم تطل مفردة “البحر” حاسمة حال الشاعر ومفككة لرؤيته الى حبيبته صاحبة العينين، فالبحر علامة دالة على عالم الجمال والتحدي والبقاء والحيوية لدى الأنا الشاعرة التي ما انفكت تحاور البحر والعينين وغيرهما.
في المقطع الأول، يبدأ الشاعر بحرف الواو الذي يدل على استمرارية الحوار والكلام واستئناف الخطاب الشعوري، فالشعر يخبرنا بحميمية علاقته بصاحبة العينين وبرغبته في إعادة اللحمة معها رغم النأي والبعاد والفراق وبما تشير اليه مفردة “تنأين” من تشظي ووجع واغتراب نفسي، فالجملة الافتتاحية في لوحة القصيدة قصيرة سريعة الخطى والأثر تحمل علامة الخطاب ودلالته بين الأنا الشاعرة و”الهي” المخاطبة، و تشتبك المفردة مع نبرة صوتية ذاتية الدلالة تحمل الأنا نفسها أي مفردة “عني.”