بقلم: طارق بدراوى
– بني محمد علي باشا هذا القصر منذ أكثر من 200 عام في منطقة شبرا الخيمة ليكون بعيدا عن مركز الحكم في القلعة ويكون بمثابة مكان يقصده لكي تهدأ أعصابه ويجدد نشاطه ويستريح فيه من أعباء الحكم ولذلك وقع اختياره علي المكان الذى تم بناء القصر به والذى تبلغ مساحته حوالي 50 فدان وبدأ في بناء هذا القصر في منتصف شهر ذى الحجة عام 1223 هجرية الموافق شهر يناير عام 1809م وفي نفس الوقت بدأ في غرس وتنسيق حدائق البساتين والأشجار والزهور في حدائق القصر وقد تم بناء هذا القصر علي عدة مراحل واستمر البناء لأكثر من 12 سنة أى حتي عام 1821م وأشرف علي البناء المهندس ذو الفقار كتخدا الذى كان يستعين به محمد علي في تشييد عمائره ومنشآته الفخمة مثل قصر الجوهرة بالقلعة وخلافه وجاء طراز عمارة القصر علي نمط جديد لم يعرف في مصر سابقا حيث ساعدت المساحة الكبيرة لموقع القصر علي إختيار طراز معمارى كان منتشرا علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة في تركيا وهو المسمى بطراز قصور الحدائق والذى يعتمد على وجود حديقة شاسعة لها أسوار ضخمة تتخللها أبواب قليلة العدد وتتوزع في الحديقة عدة مباني كل منها يحمل صفات وعناصر معمارية وفنية خاصة به ولكن في تناسق وتناغم وتنسيق بديع
– وأهم منشآت هذا القصر مايسمي بسراى الفسقية وهي عبارة عن مبني مستطيل طوله 88.5 متر وعرضه 76.5 متر وتصميم هذا السراى يعتمد علي وجود كتلة محورية عبارة عن حوض ماء كبير طوله 61 متر وعرضه 45.5 متر وبعمق 2.5 متر مبطن بالرخام المرمرى الأبيض ويتوسط الحوض نافورة كبيرة محمولة علي تماثيل لتماسيح ضخمة ينبثق الماء من أفواهها وفي أركان الحوض 4 نافورات ركنية ويلتف حول حوض الفسقية رواق يطل عليه ببواكي من أعمدة رخامية يبلغ عددها 100 عمود وأضيفت بعد ذلك إلى منشآت القصر سراى أخرى تسمي سراى الجبلاية وقد شهد هذا القصر إدخال أول نظام للإضاءة الحديثة في مصر بعد أن عرفت إنجلترا هذا النظام عام 1820م علي يد مهندس إنجليزي إسمه جالوى فأمر محمد علي باستدعائه لتنفيذ هذا النظام الحديث في قصره ومما يميز هذا القصر أنه جمع بين الأسلوب الأوروبي في زخارفه وبين روح التخطيط في العمارة الإسلامية فأسلوب بناء القصر يشبه بناء المساجد حيث هناك 4 أروقة تحيط بفسقية ضخمة كأنها صحن المسجد أما الرسوم والزخارف فقد تم تنفيذها بأسلوب الرسوم والزخارف الإيطالية والفرنسية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر الميلادى وقد نفذها بالفعل فنانون من فرنسا وإيطاليا واليونان وأرمينيا
– ويضم هذا القصر لوحات أثرية رائعة مرسومة تخص محمد علي باشا وأسرته وهناك أيضا برج الساقية التي بنيت على إرتفاع كبير ليتحقق بفارق منسوب المياه قوة دفع كبيرة لها بما يكفي لتشغيل نافورة الفسقية حيث يتم سحب المياه من نهر النيل عبر نفق لتصب المياه بعد مرورها بالساقية في 4 أحواض يتم تنقية المياه بها قبل أن يمر إلى نافورة الفسقية ومنها الي قنوات رى الحدائق كما يوجد بأركان القصر الأربعة 4 حجرات أولها الشرقية القبلية تسمي بصالة الجوز لأن أرضبتها من خشب الجوز وثانيها وثالثها الحجرة الشرقية البحرية والغربية البحرية تعرفان بصالة البلياردو ورابعها القبلية الغربية هي حجرة المائدة كما كان بالقصر مرسي للقوارب علي نهر النيل كما كان بالقصر بعض المباني الخشبية لموظفي القصر والعاملين به وأفراد الحراسة
– وحتى عام 2000م كان القصر قد وصل إلى حالة يرثى لها فقررت وزارة الثقافة تنفيذ خطة عاجلة لإنقاذ هذا القصر تعتمد على 3 محاور أولها الترميم الإنشائي والمعمارى وثانيها ترميم الزخارف والنقوش وثالثها تنسيق الموقع العام وكانت أصعب عملية هي ترميم جمالون السقف الحامل للزخارف والنقوش حيث تم تنفيذ تلك الزخارف والنقوش بشكل لم يعتاده ويألفه المرممون وخبراء الترميم المصريين حيث كما أسلفنا أن الزخارف والنقوش نفذت بأسلوب فرنسي وايطالي ولذلك تم الاستعانة بعدد 15 خبير أجنبي من خارج مصر متخصصين في ترميم الزخارف والنقوش المماثلة وأخيرا لا ننسى أن نذكر إن محمد علي قد شق شارع شبرا عام 1847م وحرص علي أن يجعله أعرض شارع في مصر في ذلك الحين لأنه الشارع الرئيسي الذى يصل من خلاله إلى قصره الفخم في شبرا الخيمة وكذلك ليكون شارعا للنزهة والفسحة والترويح عن النفس لسكان القاهرة