قرأت لك قصتك الجميلة الشيقة التي برعت أصابعك الموسيقية وتفننت في سردها … تركت العنان لقلمك كي يوقظ ما كان بداخلك منذ الطفولة ، ومازال… كما علمت من خلال كلماتها التي أسميتها: “حنين من الماضي “،التي كتبت
فيها : تحن الي الماضي ، شيء بداخلك ، هل تكون هذه الطفلة الصديقة بعدما تركتها وسافرت مع أبويك هي التي أمامك
الآن ؟ ، وجه كالصباح .. نعم هي .. هي ” صباح ” ، بعد سنوات عاد اليك الحنين … حينما نظرت إلي وجهها الذي يشع
حناناً ، وشعرها الذي وصفته بالفضي اللامع ، ينسدل على ظهرها .
عاد الشيء الثمين الذي لا تستطيع تفسيره .. وهو بداخلك كان مفتقداً .. عاد إليك كل شعور ..
أنت الذي ودعت الشعور بالحب .. حتى أتى الآن جملة واحدة … ومازلت تفتش عن نصفك الآخر ، وأنتما صغيران ، تذهب
إليها ، توقظها مبكراً ، تأخذها معك إلى الحقل حيث مملكة جدك ، تلهوان بين المواشي تطعماها البرسيم ، تلقمان الجمل البارك
قطع القصب الصغيرة ، تتسلقان الساقية الخشب ، تديرها بكما بقرة جدك ، هي أمامك تنظر إليها الآن ، أصبحت حطاماً ،
كنتما تسيران هنا .. وتجلسان هنا .. وذات يوم خلعت حذاءك وهي أيضاً ، تحت شجرة الليمون الممتلئة بالعصافير ، وذهبتما
تتبعان المجرى كي تشاهدا منبع المياه ، استوقفكما جذع نخلة يابس على الأرض ، هزته بعنف ، تلك المغرورة بذاتها وأنانيتها ،
ثم صعدت عليه كالحمار تهزه بقدميها النحيلتين وتضربه بعصا ، حتى سمعت صرختها ، فوقعت على الأرض ممسكة قدمها
تنتفض ، لدغتها عقرب ، عرفت ذلك عندما لمحتها كبيرة رافعة ذنبها تجرى من تحت الجذع هاربة إلى القصب ، ظللت تصرخ
إلى أن جاء والدها ، حملها على ذراعيه وأخذ يجرى إلى حيث كان يجلس جدك ، الذي انتزع شوكة من الفرع المتدلي من شجرة
الليمون ، سألها عن مكان الألم ، فغرسها وانحنى يمتص من قدمها ويبصق الدماء سوداء ، وأنت جالس تحت شجرة الليمون تتذكر
ما مضي وهي تقول لك : ” رأيت عوداً من القصب خشابي جميل .. هيا بنا لنخلعه ونتقاسمه سوياً ” .
كنتما تقتسمان كل شيء ، المانجو عندما تتساقط ، والبلح الرطب ، حتى الألم والفرح .
أفقت لرؤيتك عصفورتين متشابكتين وقعتا بجوارك ، ثم طارتا بعدما فوجئتا بك ، تذكرت موعد جمع القصب من الحقل ، وحمله
على الجمال التي تتبعانها حتى تصلا الميناء ، وعم حسن ذو العضلات المدورة المنتفخة ، الواقف على سطح العربة بساطوره
الكبير كالسيف يقَطع ، ويغرس ، ويثبت ، في انتظار الجرار الذي يجمع العربات لتصبح قطارً يجرها إلي المصنع ،ولكي أذكرك
بأن بطل القصة الذي أسميته “أحمد” هو أنت ، والطفلة التي اتهمتها بالغرور والأنانية في قصتك هذه ، ولست أنا ، لأن العقرب التي
لدغت صباح ، أو لدغتني كان السبب في خروجها هو أنت ، أنت الذي امتطيت جذع النخلة ، وجعلت منها حماراً ، وأخذت تهزها
بقدميك القصيرتين ، ولست أنا ، كنت واقفة أمنعك من هذا وأنا حافية القدمين ، بعدما جعلتني أخلع حذائي مثلك ، فأنت الذي تكبرني،
ومن المعروف أن الصغير يقلد الكبير ,
فهل بعدما عاد إليك شعورك بالحنين والحب ، أمازلت تفتش عن نصفك الآخر ؟ .