في ظلّ سقوط نظام بشار الأسد: هل يشكّل تغيّر محتمل في سياسة تركيا فرصة استراتيجية لمصر؟

محمد حمود يكتب –
بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد واستيلاء “هيئة تحرير الشام” على مناطق رئيسية في سوريا، تبدّلت التوازنات الإقليمية بشكل دراماتيكي، ما أثار قلقًا متزايدًا لدى الدول العربية، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية. فهذه التطورات، وإن كانت متوقعة نتيجة استمرار الفوضى والصراع المسلح، تحمل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، لاسيما في ظل تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة ذات الطابع الأيديولوجي المتطرف.
في المقابل، لا يزال النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان قائمًا، رغم التحديات الداخلية المتصاعدة والأزمة الاقتصادية التي تُضعف من استقراره السياسي. إلا أن التحولات الإقليمية الكبرى، لا سيما في الملف السوري، تضع تركيا أمام خيارات استراتيجية حاسمة، خاصة بعد أن ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في صعود بعض الفصائل المسلحة عبر دعمها السياسي واللوجستي، سواء علنًا أو ضمن ترتيبات غير رسمية، كان أبرزها دعم هيئة تحرير الشام في مراحل معينة من الصراع.
من وجهة نظر القاهرة، فإن سيطرة جماعات مسلحة غير نظامية على مفاصل الدولة السورية يشكّل تهديدًا إقليميًا واسع النطاق، ويعيد إلى الأذهان سيناريوهات الفوضى التي سادت في مراحل ما بعد “الربيع العربي”. فمصر لطالما تمسكت بمبدأ الحفاظ على وحدة وسيادة الدولة الوطنية، واعتبرت أن قیادة دولة تحریر الشام في سوريا سيفتح المجال أمام الفوضى العابرة للحدود، وهو ما قد يؤثر على استقرار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ورغم إعادة فتح قنوات التعاون الاقتصادي بين أنقرة والقاهرة خلال العام الماضي، فإن هذه العلاقات بقيت في إطار المصالح الاقتصادية الضيقة، دون أن تصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فمصر، وإن أبدت انفتاحًا تكتيكيًا على تركيا، فإنها لم تغيّر من مواقفها الجوهرية إزاء الملف السوري وطبيعة القوى الفاعلة فيه.
في حال شهدت تركيا تغييرًا في سياساتها الإقليمية – سواء من خلال تحوّل داخلي في توجهات النظام أو نتيجة ضغوط دولية متصاعدة – فإن ذلك قد يصب في مصلحة القاهرة. إذ أن تراجع أنقرة عن دعم الجماعات المسلحة، أو تقليص نفوذها في الشمال السوري، قد يُمهّد الطريق أمام مسار سياسي جديد في سوريا، تقوده مؤسسات الدولة وليس الميليشيات أو الكيانات غير الرسمية.
وبالتالي، فإن مصر ترى في أي تعديل مرتقب في سلوك تركيا فرصة لتعزيز الأمن الإقليمي، وخصوصًا في ظلّ التحديات التي فرضها غياب الدولة المركزية في دمشق. فالمعادلة الجديدة في سوريا تتطلب تنسيقًا عربيًا أوسع، تقوده دول مثل مصر، لإعادة ضبط التوازنات في منطقة مشتعلة.