المراهقة وشبح الإنزعاج والقلق الذي يسيطر على كل أب وأم سيناريو متكرر في معظم بيوتنا لما يحمل في طياته من حالات مزعجة من التمرد والفوضى وإختلافات كثيرة وتحولات عديدة ومشاكل غير منتهية تحدث يومياً تحت مسمى “في بيتنا مراهق”!!
أباء وأمهات يشكون ويتذمرون عن تغيرات في سلوك أبناءهم، يتحول خلالها المراهق من مطيع إلي عنيد ومن إجتماعي إلى إنطوائي، ومن مهذب إلي مشاكس لا ينصاع للأوامر وأوقات قد لا يخشى العقاب!!
حالة مستمرة ومرهقة من التصرفات وردود الأفعال تنشأ بين الأباء وأبنائهم، تستمر في دائرة لا تنتهي، قد نجد البعض لا يعلم ما السبب والسر وراء هذه التغيرات وهذا السلوك، وغالباً مايقارن الآباء زمنهم بزمن أبناءهم، أو أن هذا الجيل لا يدرى معنى المسئولية وأخيراً يحملون الجيل كل الذنب ويتحمل الأبناء مالا يطيقونه ويستمر الخلاف دون جدوى!!
ولكن أين تكمن المشكلة؟؟
هل لكون أبناءنا في حالة من التغيرات المستمرة في السلوك عما كانوا عليه عما سبق؟؟
أم لكوننا كأباء وأمهات في حالة ذعر وإنزعاج مستمر وعدم تبرير لهذا السلوك وخوف من المستقبل المنتظر؟؟
أم لكوننا نعلم أسبابه ولكننا غير مؤهلين على تحمله أو غير مقدرين لتبعات هذه المرحلة؟؟
الحقيقة الأولى:
أن أبناءنا يمرون بالعديد من التغيرات الفسيولوجية والهرمونية والعقلية والجسمانية التي تجعلهم في حالة من الذعر الداخلي غير المبرر لما يقومون به، وقد تستمر لسنوات عديدة وقد يقابلها خسائر جمة إن لم تقابل بالحكمة من قبل الوالدين.
الحقيقة الثانية:
أننا كأباء وأمهات منزعجين لكل هذه التطورات إما لعدم قدرتنا على التعامل معها أو لجهلنا بها من الأساس، ولكن أعزائي الأباء والأمهات عفواً فكلا السببن قد نطلق عليه عذراً أقبح من ذنب!!
فكون أبناءنا يمرون بحالة من التغيرات التي قد يصاحبها بعض التمرد والضجر والتغيرات سواء في الناحية الجسمانية وكذلك الناحية النفسية وينتج عنها هذا السلوك المتضارب لديهم، فهذه حالة طبيعية كتبت عليهم وعلينا سابقاً.
أما كوننا نتذمر ونضيق ونضجر منهم لعدم تحملنا لهذا السلوك فهذه مشكلتنا نحن، فنحن من أختار رد الفعل هذا، ونحن من سنتدفع تباعته لعدم إدراكنا أن متطلبات هذه المرحلة أكبر بكثير من التذمر والضجر!!
تذمرك وضيقتك وشكوتك من سلوك ابنك/بنتك ليس الحل المناسب لهذه المرحلة، ارجع بذاكرتك قليلاً للخلف وتذكر عندما كنت في مثل عمرهم وكيف كانت أحوالك وقتها وردود أفعالك نحو معاملة والديك في تلك المرحلة وهل كنت حقاً متوافق مع هذه المعاملة أم منزعج من تصرفاتهم؟؟
فكر قليلاً وسوف تدرك ما يجب عليك فعله تجاه أبناءك.
ودعونا نوضح ببساطة ما معني كلمة مراهقة؟؟
الفعل من كلمة مراهقة هو “راهق” ومعناها في اللغة العربية “دنا” أو “اقترب”، ومرحلة المراهقة هي الابتعاد عن مرحلة الطفولة والاقتراب من مرحلة الرشد والرجولة.
فهي حلقة وصل بين الطفولة والرشد يتوصل فيها المراهق لكامل نضوجه الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وقد تستغرق سنوات عديدة تصل إلي عشر سنوات بداية من سن ١٢ سنة إلي ٢٢ سنة تقريباً.
في ظل هذه المرحلة يظل المراهق عالقاً بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد والنضوج، ونزيده حيرة بتصرفاتنا معه، فنرى عليه علامات نضوج توضح لنا ظاهرياً بأنه أصبح شاباً ناضجاً ولكن عندما نرى في تصرفاته المزيد من الطفولية ننهره ونعامله بقسوة ولا نقبل منها تصرفاته السابقة “أنت الآن لم تعد طفلاً، تصرف تصرفات الكبار”.
وإذا أراد أن يتصرف تصرفات الكبار بأن يخرج على مزاجه أو يلهو مع أصدقائه لوقت متأخر، نرجع مرة إخرى وننهره على أفعاله الحمقاء!!
فيزداد حيرة وتشتت وبعداً عن الأهل وقرباً من الأصدقاء الذي يوافقونه على نفس دماغه وتصرفاته، ويبنى له عالماً موازياً يعيش فيه على هواه وتزداد الفجوة بينه وبين والديه.
ولكن كان أوجب إحتواء هذه المشاعر المختلفة وتقويمها، وأن نراعي التذبذبات التي تحملها هذه المرحلة، أن نحتوي تغيراته الهرمونية ونتعاطف معه ونبدئ له الإحترام ونراعي ذلك الطفل الذي مازال داخله.
فهذه التغيرات الهرمونية قد تجعله يتصرف تصرفات كثيرة هو نفسه غير مدرك لماذا فعلها وقد تلاحظون بعض القرارات التي يرجع عنها ايضاً بدون سبب.
فرفقاً بأولادكم وبناتكم، لا تأخذون الموضوع على محمل الندية وتنظرون لتغيراتهم على أنها تغيرات جذرية، بل ساندوهم واحتوهم وقربوا منهم أكثر ولا تتركوهم لأصدقاء قد يجروهم نحو الهاوية.
وتأكدوا أن هذه المرحلة ماهي إلا حصاد لكل ماقمتم بزرعه من قيم ومبادئ وأخلاق بداخلهم، فقط تعلموا كيف تتعاملون مع متطلبات هذه المرحلة وكيف تمرون بها في سلام.
وللحديث بقية
samaakamal@gmail.com