لم تملأ فلسطين الدنيا ، ولكنها شغلت الناس ، هى بالفعل بلد حيّر القاصى والدانى ،فلم يتعرض شعب فى العالم للغبن والظلم البيّن مثل الشعب الفلسطينى فقد إستولى على أرضه جماعة من اللصوص الذين إدعو زوراً وبهتاناً أحقيتهم فى هذا البلد .
وقد ساعدت الظروف هذه الجماعات الإرهابية على تحقيق أهدافهم المشبوهه منذ قيامها وحتى يوم الناس هذا .
وفى خضم الأحداث التى تشهدها بلدان الربيع العربى ، وما تشهده هذه البلدان من أحداث جِسام ، لا تزال إسرائيل تمارس إرهابها ضد الشعب الفلسطينى الجريح الذى لازال يقاوم ويجاهد ويرابط من أجل تحرير أرضه من العدو الذى جثم على صدره وجسمه ردحا طويلاً من الزمن .
ومن عجب أن ترى عزيزى القارئ اللبيب أن إسرائيل من أكثر بلدان الشرق الأوسط إستقراراً فى الوقت الذى تحترق فيه بلدان عربية كثيرة .
ولما لا فلقد كان من المستحيل أن يتحقق حلم الصهاينه إلا بالمساعدة الكاملة من قوى السيادة العالمية ، فالإستعمار هو الذى خلقها بالسياسة والحرب ، وهو الذى يمدها بكل وسائل الحياة من أسلحة وأموال ، وهو الذى يضمن بقاءها ويحميها علناً ومن هنا إلتقت الإمبريالية العالمية مع الصهيونية لقاء تاريخياً على طريق واحد هو طريق المصلحة الإستعمارية المتبادلة فيكون الوطن اليهودى قاعدة تابعة وحليفاً مضموناً أبداً يخدم مصالح الإستعمار ، ذلك ثمناً لخلقه إياه وضمانة لبقائه فهو استعمار عميل بلا ريب ، فليس بمستغربٍ إذن أن نجد أن أمن إسرائيل من أولويات السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط وأصبحت بذلك اخطر مناطق التسليح الغربى فقد غدت ترسانة امريكية مسلحة حتى الاسنان ، فإسرائيل ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية التى فعلت بالهنود الحمر ماتقشعرله الأبدان فما حدث خلال أكثر من 400 عامٍ وصفه الكثير من الباحثين بـ «أسوأ مذبحة جماعية في تاريخ الإنسان»، ولم تقتصر فيها أعمال الأمريكيين على القتل والإبادة، بل شملت التهجير والعزل الإجباري والملاحقة، بالإضافة إلى موت الكثير من السكان الأصليين بالأوبئة التي حملها المستعمرون معهم من أوروبا،فما أشبه اليوم بالبارحة فما يفعله الصهاينة اليوم بالشعب الفلسطينى فعلته أمريكا بالأمس مع الهنود الحمر.!!
على أية حال تؤمن الولايات المتحدة الأمريكية بالدور الذى يلعبه الصهاينة كجماعة وظيفية تؤدى دوراً مهما قد رسم لها منذ إعلان قيام ذلك الكيان المصطنع فى أربعينيات القرن المنصرم .
وفى ظل الممارسات البشعة الذى يقوم بها هذا الكيان بحق الشعب الفلسطينى وفى غفلة العرب ، يدق ناقوس الخطر الذى لا يسمعه إلا القليلون من المهمومين بهذا الوطن الجريح فهى مشكلة تقض مضاجعهم لما يدركونه من خطر على وطن يمثل رقعة غالية من وطننا العربى الكبير ، فكل يوم تستجد قضية جديدة على الساحة وتاهت القضية الفلسطينية وسط الزحام وإنشغل العرب بجراحهم التى مازالوا يلعقونها ولايعرفون متى تنتهى هذه المأساه التى تكتب فصولها يومياًعلى أراضيهم.
وبعد أن كان العرب منشغلين مهمومين بأمر فلسطين وشعبها المنكوب، وبعد أن كانت أحزابنا وحركاتنا السياسية القومية منهمكة برفع شعار “فلسطين حرة عربية … فلتسقط الصهيونية”، فإذا بالأحداث تتسارع، لنرى العراق وهو يحتل، ويدخل شعبه الجريح الأبي الصابر في متاهة الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي، ليلحقه تقسيم السودان، ثم يدخل لبنان في متاهة المحكمة الدولية ومستنقع التدخل الغربي، وكذلك ليبيا التى يعانى شعبها الخوف وعدم الأمان ، ويغدو اليمن غير سعيد بدعوات انفصال جنوبه عن شماله بعد حلم توحد جميل!!.
ولهذا فإن إستدعاء التاريخ يغدو ضرورياً من أجل التعرف على المأساه الحقيقة التى عاشها أجدادنا المسلمين منذ قرون قد خلت ولكن يبدو أننا لم نتعلم ولم نستفد من دروس التاريخ وبدلا من أن نعتبر أصبحنا معتبر بنا وسنحاول فى هذا المقام إستقراء التاريخ كى ندرك عظم الخطورة والمؤامرات التى حيكت خيوطها بعناية ضد الإسلام والمسلمين.
ففى الثانى من ربيع الأول عام 897هـ ، الموافق 2 من يناير سنة 1492م وقّع أبو عبدالله محمد الصغير وهو آخر ملوك الأندلس من المسلمين على معاهدة الاستسلام وبذلك قد أسدل هذا الرجل الستار على الوجود الاسلامى فى الأندلس بعد أن بذل المسلمون كل مرتخص وغالٍ كى يبسطوا سلطانهم ونفوذهم فى هذا المكان ولمدة استمرت قرابه الثمانية قرون .
ليخرج بعدها الرجل وهو يقف على تل من التلال القريبة من قصر الحمراء وهو قصر الحكم فى غرناطة وهو يبكى وينتحب على ما اقترفه من ذنب وأمه عائشة تقول له أجل فلتبك كالنساء على ملك لم تستطع ان تدافع عنه كالرجال
وكلنا نعلم انه عندما يبكى الرجال لا تذرف الدموع من عيونهم ولكنها تندفع من قلوبهم فتتسلل من مآقيها عزيزة ، ولكن دموع الرجل لم تشفع لسوء صنعه ولقبح فعله ، حيث فقد المسلمون جزءا عزيزا من العالم الاسلامى .
فقد اعطى الفرصة لهم ولم يتوان الاسبان للحظة واحدة فى ضياع تلك الفرصة والتخطيط الجيد لقع دابر المسلمين وإنهاء وجودهم نهائيا من الاندلس فقد كان الإحتلال الإسبانى للممالك الإسلامية فى الاندلس احتلال استيطانياً إحلالياً سرطانياً فقد قاموا بعمليات ابادة جماعية ومذابح وظهر الصليبيون بوجوههم التى تملأها الحقد والكراهيه تجاه الإسلام والمسلمين لتظهر محاكم التفتيش والتى كانت أداه ووسيله سريعة المفعول فى تقتيل وتشريد ليصبح المسلمين مشردين ولاجئين بعد ان حكموا هذه المناطق قروناً كانت فيها الأندلس مصدر إشعاع علمى وثقافى شهدتها أوروبا المتخلفه فى ذلك الوقت وهذه حقيقة شهد بها الغث والسمين.
وعم الحزن ارجاء العالم الاسلامى وإتشح بالسواد ألماً وحزناً على فقدان الفردوس حتى إنه ورد أن أول من لبس العقال هم المسلمون فى الأندلس وكان فى بادئ الامر لونه أبيض ولكن عندما سقطت الأندلس لبس العقال من لونه الأسود وأقسموا بالله على ألا يخلعوه حتى تعود الاندلس اليهم .
وقد مر شهر او شهران وعاما او عامان وقرن او قرنان بل خمسة قرون وضاعت الاندلس حتى صارت فردوسا مفقوداً .
ونتج عن كل هذه الجرائم نتائج خطيرة لعل فى توضيحها تكون تذكرة ورسالة تبصرة .
أنه لم يعد للإسلام ذكر فى هذه البلاد إلا اثار قليلة فقد تحولت المساجد الى كنائس
وتحول اهل البلاد من المسلمين الى غرباء بل اصبحت اسبانيا والبرتغال تلك الدولتين التى قامتا على انقاض الاندلس هم من اقل بلاد العالم تعدادا للمسلمين نظرا لعمليات الاباده التى تعرض لها المسلمون هناك فهنا مكمن الداء واس البلاء فقد احتلت بلادا اسلامية كثيرة غير بلاد الاندلس ومع ذلك لم يخرج منها الاسلام …!!
فقد احتلت مصر والجزائر وغيرها ولكن لازالت هذه البلاد مسلمة بعد الاحتلال الطويل والسبب هو ان هذه الدول لم تتبع هذا النمط الذى اتبعه الإسبان بالأمس والصهاينة اليوم .
ومع تقادم العهد ومرور الزمان نسى المسلمون القضية حتى المؤرخون الذين كانوا يملكون سلاحا قويا ويجاهدون ولو بالكلمة فقد اختفت الكلمة التى يكتبونها قديما من كتاباتهم ،فعندما كانوا يتحدثون عن الاندلس بعد سقوطها يقولون أعادها الله للمسلمين وذلك لانها كانت دائما فى الذاكرة ، اما الآن فاصبحت الأندلس خبراً بعد عين ولو أراد المسلمون العودة فلابد من فتح جديد.
وبالرغم من تباعد الزمان والمكان الا أن العلاقة وثيقة بين الاندلس وفلسطين
فالاستعمار الإسرائيلى لفلسطين هو استعمار سكنى من الدرجة الاولى ولكن لابد أن نميز فى الاستعمار السكنى للمعتدلات بين النمط اللاتينى الذى يضيف المستعمرين الى الأهالى الأصليين بلا إبادة عامه كما حدث فى أمريكا اللاتينيه والجزائر وبين النمط السكسونى الذى يقوم على احلال المستعمرين محل الاهالى الوطنيين بالابادة والطرد كما حدث فى استراليا وجنوب افريقيا والولايات المتحدة الامريكية ،واسرائيل بالتأكيد فى النمط السكسونى بل تتميز اسرائيل بما يجعلها حالة فريدة شاذة لا مثيل لها بين كل النماذج الاستعمار السكنى فهى تجمع بين أسوا ما فى هذه النماذج .
فما تفعله اسرائيل ليست عمليه سرقه عادية ولكنها اغتصبت الارض وما عليها من ممتلكات وطردت السكان الاصليين خارجها ليتحولوا الى لاجئين متعلقين معلقين على حدودها .
فالصهيونية بلا مبالغة اكبر خطر يواجهه العالم الاسلامى المعاصر كما يواجهه العالم العربى بل هو أكبر من صليبيات العصور الوسطى وأكبر من كل موجة الاستعمار الاوروبى الحديث التى غطته فى القرن التاسع عشر والذى لم يتعد على اتساع حدود الاغراض السياسية والاستراتيجيه او الاستغلاليه ان الاستعمار التوسعى الاخطبوطى الصهيونى ان يكن سرطان العالم العربى فهو جذام العالم الاسلامى فى الوقت نفسه .
وبهذا نجد ان الصهيونيات اسوا من الصليبيات فى العصور الوسطى فقد كانت تلك الصليبيات استعمارا تخفى وراء الصليب فكان هدفه استغلالى ولكن الصهيونيات تتخفى وراء النجمة السداسية لتحقق اهدافها وطموحاتها
ولهذا فان مشكله فلسطين اعمق واخطر لما تحمله هذه الدولة من اهمية دينية وتاريخية لدى المسلمون خاصة فاليها اسرى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبها مقدسات دينية كالمسجد الاقصى وكنيسة القيامه ،وكنيسة بيت لحم وكنيسة المهد،وغيرها من الاثارالقبطيه والاسلامية الشاهدة على عظمة المسلمين هناك .
ولهذا أعطى اليهود لانفسهم حقوق بالعودة الى فلسطين بمساندات غربيه كالوعود الفرنسية حيث وعد نابليون بونابرت لهم بانشاء وطن قومى لليهود والوعود البريطانية كتصريح بلفور .
ولا شك ان العودة اليهودية الى فلسطين ليست عودة توراتية او تلموديه او دينية وانما هى عودة الى فلسطين بالاغتصاب ، فهو غزو وعدوان غرباء لا عودة ابناء قدامى ،اى استعمار لا شبهه فيه بالمعنى العلمى الصارم فهى تمثل جسم غريب دخيل مفروضا على الوجود العربى ابدا غير قابل للامتصاص فهم ليسوا عنصر جنسيا فى اى معنى بل جماع ومتحف حى لكل اخلاط الاجناس فى العالم .
ولهذا يرتكن الصهاينة على سند تاريخى لاصحة له بأحقيتهم فى فلسطين باعتبارها لهم فهى كانت ارضهم فى يوم من الايام ،وذلك لكى يقنعوا العالم بأنهم ليسوا مغتصبين للارض ولكنهم يستردون الوطن الذى فقدوه،وجازت هذه الخدعة على العالم اجمع بما فى ذلك العرب والمسلمون .
ولنا ان نتخيل اذا تقادم العهد على الاحتلال الصهيونى لفلسطين فستضيع فلسطين بلا ريب ،فمنذ ثلاثين سنة كان المسلمون لا يعترفون بالكيان الصهيونى مطلقا بل كانوا يصفون اليهود بانهم مجموعة من اللصوص سطوا على ارض ليست ارضهم فنهبوها واستوطنوها ،وكانت هناك شعارات مدوية مثل “فلسطين حرة عربية … فلتسقط الصهيونية”، رفعته ونادت به أنظمتنا العربية، وأدرجته أحزابنا وحركاتنا القومية العربية في بياناتها وأدبياتها، وصدحت به حناجر جماهيرنا العربية!!. كان ذاك شعار ما قبل نكبة العرب والمسلمين بضياع الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية عام 48، وما بعد النكبة بسنين طويلة، ليستمر الهتاف به حتى نكسة حزيران 67، حيث ضاع فيها ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، كما وضاع معها الجولان وسيناء، يوم ابتلعتها الصهيونية التي نادينا بشعاراتنا طويلاً على إسقاطها. ثم مرت الايام وقبل الرافضون القدماء من العرب بوجود اسرائيل على مساحة 78%من الا رض المحتلة وهى كل ارض فلسطين خلا الضفة الغربية وغزة ..ثم سيقبلون بعد ذلك بان تحتل اسرائيل مساحة 60% من الضفة الغربية وغزة ،بالاضافة الى ال 78 %
الاصلية وذلك على هيئة مستوطنات يهودية داخل الضفة الغربية وغزة ..
ثم ستاتى مرحلة جديدة لا محالة يسعى فيها اليهود لانهاء الوجود الفلسطينى بالكلية ..
وسيصرخ المسلمون وقتها حينما يتقادم العهد عندما يزورون المسجد الأقصى بتأشيرة سياحة من السفارة الإسرائيلية كما يزورون الآن مسجد قرطبة بتأشيرة سياحة من السفارة الإسبانية ..!!
بل سيكون مصير المسجد الأقصى مثل مسجد الحمراء الذي أصبح كاتدرائية تعلوها الصلبان.
ولاندرى ماذا تلده الليالى الحبالى من العجائب ..؟؟!!