فشل منظومة الشكاوى الحكومية في مصر: قراءة نقدية واقتراح بديل واقعي

فشل منظومة الشكاوى الحكومية في مصر: قراءة نقدية واقتراح بديل واقعي
على مدار السنوات الماضية، سعت الحكومة المصرية إلى تقديم نفسها كسلطة أكثر تفاعلاً مع المواطن، وكان من بين أدواتها في هذا الإطار “منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة”، التي أُنشئت بهدف تلقي شكاوى المواطنين والرد عليها وحلها عبر قنوات إلكترونية وهاتفية. غير أن هذه المنظومة، وبمتابعة دقيقة من قبل مختصين في الشأن الإداري والاجتماعي، أظهرت على أرض الواقع قصورًا كبيرًا في تحقيق الغرض المنشود، بل ويمكن القول بوضوح إن نتائجها تكاد تكون رمزية أكثر من كونها عملية، الأمر الذي يفتح الباب لمراجعة شاملة وجدّية بشأن جدوى استمرارها.
أولى مظاهر الفشل تتجلى في الكم الهائل من الشكاوى التي يتم تقديمها دون أن تقابل بحلول واقعية أو استجابات فعالة. ورغم الإعلانات الحكومية عن نسب “الاستجابة” العالية، إلا أن المحتوى النوعي لهذه الاستجابات غالبًا ما يكون مجرد رد آلي أو تحويل الشكوى لجهة معنية دون متابعة حقيقية أو حلول ملموسة. كثير من المواطنين عبّروا عن خيبة أملهم بعد انتظار شهور دون أن يُنظر في شكواهم أو حتى يتم التواصل معهم لاحقًا، وهو ما يقوّض فكرة “التفاعل” التي قامت عليها المنظومة.
ثانيًا، تفتقر المنظومة إلى آليات فعّالة لمراقبة تنفيذ الحلول المقترحة، إن وُجدت. فتقديم الشكوى ومجرد الرد عليها لا يعني أن المشكلة قد حُلّت فعليًّا، بل إن غياب الرقابة يجعل من المنظومة في كثير من الأحيان مجرد وسيلة لتفريغ طاقات الغضب الشعبي دون الالتزام بإصلاح حقيقي. ومما يزيد الطين بلّة أن بعض الجهات الحكومية تستخدم الردود الشكلية كأداة دعائية لتحسين صورتها، بينما تبقى جذور المشكلات على حالها أو تتفاقم.
ثالثًا، يُلاحظ أن فئة كبيرة من المواطنين، وخاصة من الفئات الأفقر أو الأقل وعيًا تكنولوجيًا، لا تعرف كيفية استخدام المنظومة، أو تفتقر إلى أدوات الوصول إليها، مثل الإنترنت أو القدرة على استخدام الهواتف الذكية. وهو ما يجعل المنظومة، من حيث النتيجة، قاصرة عن تمثيل الشريحة الأكبر من المتضرّرين الفعليين. لقد تحولت أداة كان يفترض أن تكون مدخلاً لتحقيق العدالة الاجتماعية إلى وسيلة نُخبوية نسبية، لا تخدم سوى من يمتلكون الوعي والوسائل التقنية.
وفي ظل هذا الإخفاق المستمر، ومع ندرة النتائج الإيجابية، أصبح من المنطقي التساؤل عن جدوى استمرار هذه المنظومة، خصوصًا إذا ما قورنت بتكلفتها الاقتصادية والإدارية. من هنا، يُقترح، وبشكل عملي، إغلاق هذه المنظومة وتوفير نفقاتها، وتحويل الموارد المخصصة لها إلى قنوات أكثر تأثيرًا، أبرزها دعم الفئات الأكثر فقرًا بشكل مباشر ومدروس.
وهذا لا يعني التخلي عن فكرة رصد المشكلات العامة، بل الانتقال من الشكل الشكلي إلى الدعم الهيكلي القائم على بحوث اجتماعية معمّقة وميدانية، تقوم بها لجان مستقلة ومحايدة، تُجري مسوحًا دورية تركز على تحديد الاحتياجات الفعلية للمواطنين في الأحياء والقرى والمراكز. ويمكن استخدام تلك البيانات لتوجيه الموارد بشكل دقيق، بما يضمن مساعدة الفئات الأكثر تضررًا، بدلاً من إنفاق الأموال على نظام بيروقراطي لا ينتج حلولاً ولا يُخفف معاناة.
في الختام، فإن استمرارية منظومة الشكاوى الحكومية بصورتها الحالية تمثل عبئًا غير مبررًا على ميزانية الدولة، وتفقد المواطن الثقة في أدوات الحكم. إن الإغلاق المدروس لها، وتحويل مخصصاتها لدعم اجتماعي حقيقي، يمثل خيارًا أكثر إنصافًا وفعالية، ويعكس رغبة صادقة في تغيير حقيقي، بعيدًا عن الشعارات التجميلية والردود الشكلية المنمّقة.
على مدار السنوات الماضية، سعت الحكومة المصرية إلى تقديم نفسها كسلطة أكثر تفاعلاً مع المواطن، وكان من بين أدواتها في هذا الإطار “منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة”، التي أُنشئت بهدف تلقي شكاوى المواطنين والرد عليها وحلها عبر قنوات إلكترونية وهاتفية. غير أن هذه المنظومة، وبمتابعة دقيقة من قبل مختصين في الشأن الإداري والاجتماعي، أظهرت على أرض الواقع قصورًا كبيرًا في تحقيق الغرض المنشود، بل ويمكن القول بوضوح إن نتائجها تكاد تكون رمزية أكثر من كونها عملية، الأمر الذي يفتح الباب لمراجعة شاملة وجدّية بشأن جدوى استمرارها.
أولى مظاهر الفشل تتجلى في الكم الهائل من الشكاوى التي يتم تقديمها دون أن تقابل بحلول واقعية أو استجابات فعالة. ورغم الإعلانات الحكومية عن نسب “الاستجابة” العالية، إلا أن المحتوى النوعي لهذه الاستجابات غالبًا ما يكون مجرد رد آلي أو تحويل الشكوى لجهة معنية دون متابعة حقيقية أو حلول ملموسة. كثير من المواطنين عبّروا عن خيبة أملهم بعد انتظار شهور دون أن يُنظر في شكواهم أو حتى يتم التواصل معهم لاحقًا، وهو ما يقوّض فكرة “التفاعل” التي قامت عليها المنظومة.
ثانيًا، تفتقر المنظومة إلى آليات فعّالة لمراقبة تنفيذ الحلول المقترحة، إن وُجدت. فتقديم الشكوى ومجرد الرد عليها لا يعني أن المشكلة قد حُلّت فعليًّا، بل إن غياب الرقابة يجعل من المنظومة في كثير من الأحيان مجرد وسيلة لتفريغ طاقات الغضب الشعبي دون الالتزام بإصلاح حقيقي. ومما يزيد الطين بلّة أن بعض الجهات الحكومية تستخدم الردود الشكلية كأداة دعائية لتحسين صورتها، بينما تبقى جذور المشكلات على حالها أو تتفاقم.
ثالثًا، يُلاحظ أن فئة كبيرة من المواطنين، وخاصة من الفئات الأفقر أو الأقل وعيًا تكنولوجيًا، لا تعرف كيفية استخدام المنظومة، أو تفتقر إلى أدوات الوصول إليها، مثل الإنترنت أو القدرة على استخدام الهواتف الذكية. وهو ما يجعل المنظومة، من حيث النتيجة، قاصرة عن تمثيل الشريحة الأكبر من المتضرّرين الفعليين. لقد تحولت أداة كان يفترض أن تكون مدخلاً لتحقيق العدالة الاجتماعية إلى وسيلة نُخبوية نسبية، لا تخدم سوى من يمتلكون الوعي والوسائل التقنية.
وفي ظل هذا الإخفاق المستمر، ومع ندرة النتائج الإيجابية، أصبح من المنطقي التساؤل عن جدوى استمرار هذه المنظومة، خصوصًا إذا ما قورنت بتكلفتها الاقتصادية والإدارية. من هنا، يُقترح، وبشكل عملي، إغلاق هذه المنظومة وتوفير نفقاتها، وتحويل الموارد المخصصة لها إلى قنوات أكثر تأثيرًا، أبرزها دعم الفئات الأكثر فقرًا بشكل مباشر ومدروس.
وهذا لا يعني التخلي عن فكرة رصد المشكلات العامة، بل الانتقال من الشكل الشكلي إلى الدعم الهيكلي القائم على بحوث اجتماعية معمّقة وميدانية، تقوم بها لجان مستقلة ومحايدة، تُجري مسوحًا دورية تركز على تحديد الاحتياجات الفعلية للمواطنين في الأحياء والقرى والمراكز. ويمكن استخدام تلك البيانات لتوجيه الموارد بشكل دقيق، بما يضمن مساعدة الفئات الأكثر تضررًا، بدلاً من إنفاق الأموال على نظام بيروقراطي لا ينتج حلولاً ولا يُخفف معاناة.
في الختام، فإن استمرارية منظومة الشكاوى الحكومية بصورتها الحالية تمثل عبئًا غير مبررًا على ميزانية الدولة، وتفقد المواطن الثقة في أدوات الحكم. إن الإغلاق المدروس لها، وتحويل مخصصاتها لدعم اجتماعي حقيقي، يمثل خيارًا أكثر إنصافًا وفعالية، ويعكس رغبة صادقة في تغيير حقيقي، بعيدًا عن الشعارات التجميلية والردود الشكلية المنمّقة.