ويتجدد بنا اللقاء الدينى مع الدكتور اسماعيل أحمد مرشدي من علماء الاوقاف
اعداد _ أشرف المهندس
نعيشُ زمانًا أصبحَ الإنسانُ المسلمُ فيهِ بلا قيمةٍ ولا وزنٍ ولا احترامٍ ولا رحمةٍ ولا شفقةٍ إلّا ما رحمَ اللهُ جلّ وعلا،
وخاصةّ وأنّ الإنسانَ مِن أهمّ قيمِ ومبادئِ ومظاهرِ الحضارةِ الإسلاميةِ . أولا:- لا زلنا وإياكُم مع غزةَ الأبيةِ، غزةَ الصمودِ ،غزةَ الثباتِ ،غزةَ التحدِّي، غزةَ المقاومةِ لكِ اللهُ يا غزّةُ الجريحةُ
خاصةً وأنَّ أحداثَ غزةَ لا تزالُ تُؤلمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا لمِن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ مِن قتلٍ للأطفالِ وسفكٍ للدماءِ وقتلٍ للنساءِ والشيوخِ وهدمٍ للمساجدِ والكنائسِ والمستشفياتِ، فأين مَن يتغنونَ بحقوقِ الإنسانِ بالليلِ والنهارِ؟
أين مَن صدَّعُوا رؤوسَنَا بالحرياتِ وحقِّ الحياةِ؟ أين مَن صدعونَا بالرفقِ بالحيوانِ
فأين الرفقُ بالأطفالِ في غزةَ. وأين المنظماتُ العالميةُ مِن سفكِ الدماءِ؟ كم في أثوابِكِ الداميةِ مِن أحزانٍ وآلامٍ وأوجاعٍ
ما تكادُ ترحلُ المصيبةُ بأثقالِهَا وكَرْبِهَا إلّا وتخلفُهَا مصائبُ تتكاثرُ كالسرطانِ في جسدِ هذا الجزءِ المـُنهكِ المـُنتهكِ مِن جسدِ أمتِنَا الغافلِ، فمناظرُ الدمِ، والخرابِ، والحزنِ وصرخاتُ الوجعِ والألمِ
ومشاعرُ الحزنِ والبكاءِ، أصبحتْ روحًا ساكنةً في جسدِ كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ مِن سكّانِ غزّةَ المجاهدةِ الصامدةِ، فالحربُ على غزةَ بلا استراتيجيةٍ حقيقيةٍ سوى الانتقامِ الأعمَى وبلا أفقٍ زمنِيٍّ معلومٍ ،وهل فقدتْ الإنسانيةُ ضميرَهَا، وماتتْ وقُبرتْ في غزةَ؟ وهل أصيبَ الضميرُ العالمِيُّ بشللٍ وباتَ الصمتُ الدولِي سمةً لِمَا يحدثُ في غزةَ؟ فالغربُ يكيلُ بمكيالينِ، ويرى الأمورَ بعيونِ أهوائِهِم وميولِهِم التي تنحازُ تمامًا للصهاينةِ المجرمينَ الذين لا يرقبونَ في مؤمنٍ إلّا ولا ذمة، والتي هي بعيدةٌ كلّ البُعدِ عن الحقِّ الفلسطينِي بإقامةِ دولتِهِم والعيشِ بسلامٍ، وهذا أبسطُ حقوقٍ الإنسانِ التي نصّتْ عليها المواثيقُ الدوليةُ، لكنْ ما يحدثُ في غزةَ معركةٌ مفصليةٌ سواءً على المؤمنينَ أو على الكيانِ الصهيونِي وأذنابِه المنافقين
( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) وانظرْ لوصفِ الهجومِ الذي حدثَ يومَ الخندقِ، (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ) هذا وصفٌ دقيقٌ لحالِ إخوانِنَا هناك في غزةَ، فالقصفُ مِن البرِّ والبحرِ والجوِّ
وصدقَ اللهُ إذْ يقولُ: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) بلى يا رب ! نصرُكَ قريبٌ جدًا يا رب العالمين . ثانيا : -. ألَا فَلْيَحذَرِ المُسلِمُ مِن خُذلانِ إِخوَانِهِ بِأَي نَوعٍ مِن أَنوَاعِ الخُذلانِ:- قَالَ ﷺ (مَا مِنِ امرِئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسلِمًا في مَوطِنٍ يُنتَقَصُ فِيهِ مِن عِرضِهِ وَيُنتَهَكُ فِيهِ مِن حُرمَتِهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللهُ تَعَالى في مَوطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصرَتَهُ). إنَّ جَمِيعَ المُسلِمِينَ في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِخوَةٌ، لا تَفصِلُ بَينَهُم حُدُودٌ وَلا تُفَرِّقُهُم جِنسِيَّاتٌ، وَاللهُ جل وعلا هُوَ الَّذِي رَبَطَ بَينَهُم بِرِبَاطِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ، قَالَ جلَّ وعلا: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ) وَقَالَ المصطفَى ﷺ: (المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ؛ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ )
عن النعمانِ بنِ بشيرٍ قال ﷺ: ( مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الوَاحِدِ؛ إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى). ويَقُولُ اللهُ { وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض}، وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: « المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». فالخذلانُ خزيٌّ وعارٌ وهلاكٌ ودمارٌ وحسابٌ وعقابٌ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ. أَلا فَلْيَهبَّ المُسلِمُونَ لِنُصرَةِ إِخوَانِهِم مَا استَطَاعُوا، العَالِمُ بِجَاهِهِ وَعِلمِهِ، وَالسِّيَاسِيُّ بِثِقَلِهِ وَوَزنِهِ، وَالكَاتِبُ بِقَلَمِهِ وَالخِطِيبُ بِلِسَانِهِ، وَلْنَحذَرِ التَّخَلُّفَ عَن الرَّكبِ، فَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ لأَهلِ المَدِينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ وَلاَ يَرغَبُوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُم لاَ يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخمَصَةٌ في سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ﴾ واعلمُوا أيُّها الأخيارُ أنَّ الأمةَ منصورةٌ بوعدِ اللهِ وصدقِ نبيِّهِ ﷺ، وأنَّ دولةَ الباطلِ ساعةٌ ودولةَ الحقِّ إلى قيامِ الساعةِ
قالَ جلَّ وعلا: ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)، وقالَ ربُّنَا: ( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ). هذا وعدُ اللهِ قاطعٌ جازمٌ بأنْ ينصرَ رسلَهُ والذين آمنوا معه. فلقد كان النبيُّ ﷺ في قمةِ النصرِ وهو يكررُ بكلِّ عزةٍ: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ). فاللهُ جلَّ وعلا قادرٌ على نصرِ عبادِهِ وإهلاكِ الكفرةِ، ولكنْ مِن حكمتِه أنْ جعلَ للنصرِ ثمنًا، ( ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعمَالَهُم سَيَهدِيهِم وَيُصلِحُ بَالَهُم وَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لهم ).مِن أجلِ هذا كلِّهِ، قد يُبطئُ النصرُ، فتتضاعفُ التضحياتُ، وتتضاعفُ الآلامُ .. وفي النهايةِ يأتِي النصرُ بإذنِ اللهِ جلَّ وعلا. فاللهُمّ إنّا نسألُكَ أنْ تنصرَ إخوانَنَا على أرضِ غزةَ، اللهُمّ ثبتْ أقدامَهُم وانصرْهُم نصرًا مؤزرًا وافتحْ لهم فتحًا مُبينًا واجعلَ اليهودَ وما يملكونَ غنيمةً للإسلامِ والمسلمين. ثانيًا: أينَ الأبعادُ الإنسانيةُ في المجتمعِ الدولِي؟ لقد كرَّمَ اللهُ الإنسانَ تكريمًا كبيرًا خلقَهُ بيدِهِ ونفخَ فيهِ مِن روحِهِ وأسجدَ لهُ ملائكتَهُ وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعًا منه. { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} فأين المجتمعُ الدوليُّ مِن إنسانيةِ الإنسانِ كإنسانٍ لهُ كلُّ الاحترامِ والتقديرِ فضلًا عن حقِّهِ في الحياةِ بلا قتلٍ ولا سفكٍ للدماءِ ولا طمسٍ للهوياتِ والحرياتِ؟ أين المجتمعُ الدوليُّ مِمّا يحدثُ للمسلمين في فلسطينَ بالليلِ والنهارِ؟ أين المجتمعُ الدوليُّ مِن حقوقِ الأطفالِ والنساءِ؟ أين المجتمعُ الدوليُّ مِن حقوقِ المرضَى وضربِ المستشفياتِ بالطيرانِ على مرئَ ومسمعٍ للعالمِ كلِّه؟ فالنبيُّ المختارُ ﷺ كان إذا أرسلَ جيشًا مخاطبًا إياهُم برعايةِ الإنسانيةِ مهمَا كانت الأجواءُ والظروفُ، ( فكان النَّبيُّ إذا بعَث جيشًا أو سَريَّةً دعا صاحبَهم فأمَره بتقوى اللهِ وبمَنْ معه مِن المُسلِمينَ خيرًا ثمَّ قال اغْزُوا بسمِ اللهِ وفي سبيلِ اللهِ قاتِلوا مَن كفَر باللهِ لا تغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تقتُلوا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا)، والإسلامُ قضَى على الفروقاتِ الجنسيّةِ والتفريقِ العنصريِّ لتحلَّ محلهُا الأخوَّةُ الإنسانيّةُ، فلا فرقَ بينَ شرقيٍّ أو غربيٍّ أو عربيٍّ أو أعجمي، فجاءت رسالةُ الإسلامِ عالميةً لجميعِ الأُممِ والشعوبِ، ودعتْ إلى عالمٍ تسودُ فيه العدالةُ، والحريةُ، والطمأنينةُ، والسلامُ. فالناسُ سواسيةٌ كأسنانِ المشطِ، وإنما معيارُ التفاضلِ التقوى والعملُ الصالحُ، ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ وعن جابرِ بنِ عبدِاللهِ أنّ الرسولَ ﷺ قال: “يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكُمْ واحدٌ، وإنَّ أباكُمْ واحدٌ، ألَا لا فَضلَ لعربيٍّ على عَجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عَربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسوَدَ، ولا لأسوَدَ على أحمرَ، إلَّا بالتَّقوَى، إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ، ) والإسلامُ ضمنَ للإنسانِ العيشَ بحريةٍ وكرامةٍ وإنْ اختلفتَ معهُ في المعتقدِ والدينِ
فلم يستجبْ الرسولُ ﷺ إلى دعوةِ طفيلِ بنِ عمرٍو الدوسِي حين رغبَ أنْ يرسلَ معه قوةً محاربةً لحملِ قومِهِ على الإسلامِ بالقوةِ وقال: (عُدْ إلى قومِكَ فادعُهُمْ وأرفقْ بهِم)، وعندما جاءَهُ ﷺ صحابِيٌّ مِن أهلِ المدينةِ يسألُهُ أنْ يحملَ ولديهِ على الإسلامِ بالقوةِ. فنزلَ قولُ اللهِ تعالِى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾ وقال جلَّ وعلا مخاطبًا رسولَهُ الكريمَ ﷺ: ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾
وقال جلّ وعلا: ﴿ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾.وبدلًا مِن الإكراهِ أمرَ سبحانَهُ وتعالى أنْ يدعوَ المسلمون غيرَ المسلمينَ لاعتناقِ الإسلامِ بالعقلِ والاستدلالِ والمنطقِ والحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، فقالَ جلَّ جلالُهُ: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ ومِن وصايا القرآنِ الكريمِ أنَّ الدفاعَ في الحروبِ يجبُ أنْ يكونَ بقدرِ العدوانِ … وقد نصَّ على هذا ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ لأنَّ الحربَ للضرورةِ والضروراتُ تقدرُ بقدرِهَا. وكيف لا؟ ولقد ضربَ رسولُ اللهِ ﷺ المثلَ الأعلَى في الوفاءِ بالعهودِ حتى مع الأعداءِ
فحين رجعَ مِن الطائفِ حزينًا كئيبًا مهمومًا بسببِ إعراضِهِم عن دعوتِهِ، وما ألحقوهُ بهِ مِن أذَى، لم يدخلْ النبيُّ ﷺ مكةَ إلّا في حمايةِ المُطْعِمِ بنِ عَديٍّ، روى مُحَمَّدٌ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ) يا لعظمةِ هذه الأخلاقِ ويا لروعةِ هذا الوفاءِ. فانظروا إلى الوفاءِ حتى مع المشركين
وهــذا أبو البُحْترِي بنُ هشام؟ إنَّه أحدُ الرجالِ القلائلِ مِن المشركين الذين سعوا في نقضِ صحيفةِ الحصارِ والمقاطعةِ الظالمةِ التي تعرضَ لها رسولُ اللهِ وأصحابُهُ في شِعْبِ أبي طالبٍ، فعرفَ لهُ الرسولُ جميلَهُ وحفظَهُ له، فلمَّا كان يومُ بدرٍ قال ﷺ: «مَن لقِيَ أبا البحتري بنَ هشامٍ فلا يقتلْهُ»، ردِّ الجميلِ مِن سيدِ الأوفياءِ ﷺ. فأين المجتمعُ الدوليُّ مِن الإسلامِ ونبيِّ الإسلامِ ﷺ الذي علَّمَ الدنيا كلَّهَا احترامَ الإنسانيةِ وتقديرَهَا والمحافظةَ عليها مع اختلافِ ألوانِهِم وأجناسِهِم ومعتقداتِهِم.