الجزائر : زعــــي ايــــــوب
كنا أربعة أصدقاء، رهف ابنة رام الله، الفلسطينية الحزينة، والوردة الذابلة، وخديجة السمراء المغربية ذات العينين الزرقاوين، ابنة مطّرزة الستائر البولندية، وسائق الشاحنة المغربي، وسعد المصري، القادم من القاهرة،
وهذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن سعد، ابن مصر الطيّب، وشقيق غربتي، وشريك الطعام والسجائر والحنين إلى الوطن، جاء سعد يوماً وفي يده قفل من الحديد منقوش عليه اسمه واسم حبيبته (س) ابنة الشيخ عبد الرحمن محفظ القرآن،
وقال أنه سيعلقه على جسر العشاق كي يظل حبهما أبدياً، وقال أنه يوماً سيعود إلى مصر ويقيم زفافه، وأنه سيعود مجددأً إلى أوروبا برفقة زوجته الحنونة، ليجلسا سوياً تحت شجرة السعادة، لتبارك حبهما،
كان سعد رغم تدينّه الشديد كأهل مدينته، يؤمن بأن شجرة السعادة التي اخترعها الغربيون، تبارك الحب، وتربط الوصل بين العشاق بحبل متين، وكنت أقول له أن هذه خرافة يا صديقي، ولا يصح أن تؤمن بهذه الخرافات، فكان يقول لي: اسكت يا غبي، ويشتمني باللجهة المصرية التي لا أفهمها كثيرا ،
وتذكرت يوم أن أخبرته أنني بصدد الزواج من أوروبية، رغم أني كنت أعرف مدى رفضه الشديد لهذا الأمر، وكرهه للزواج من أوروبيات،
وكان يقول لي: صدقني لن تفهم قلبك إلا بنت جلدك، ولما رأى إصراري على الأمر قال لي محاولاً تقليد لهجتي القبائلية “لوش الفايدة زققه يعني (فيك )، انت حر، اللي بيطق في راسك اعملوا، دماغك أنشف من حجر الصوان “،
فضحكت قائلاً: دمك شربات يا مضروب وانت بتكلام باللهجة القبائلية اللغة الأجداد …
فقال: مصر فيها أكتر من لهجة وكلها لهجات صعبة وأنت غبي أصلاً ما تفهمش روح تتعلم اللهجة في خمسين لهجة” فقلت له وأنا أتناول الطبق الفارغ من على الطاولة لأضربه على رأسه:
“بقى أنا غبي يا حمار؟ لوكنت غبي ما كنتش اتعلمت الروسية رغم صعوبتها في مدة قصيرة وانت بارك هنا أديلك سنين وبتتكلم يا دوب فرنساوي مكسّر يا أبو جهل”، وتفادى الطبق وأمسك بزجاجة الكولا وألقاها علىّ فتفاديتها بدوري
وهو ويقول: أنا أبو جهل يا برميل الغباء؟
وضحكنا بعدها حتى تعبنا، وبعدها قال لي: طالما أنك مصّر على زواجك من أوروبية لا أملك أن أبارك لك، وأتمنى لك السعادة يا صديقي،
إنما كان رفضي لهذا الأمر هو خوفي عليك، فأنت تعلم أنك مثل أخي، هذا هو سعد ابن مصر الطيّب الذي يحمل قلب طفل، ورفيق صحبتي في بلاد الثلج،
والذي فقد شقيقه الأكبر في ازمة مصر الخيرة ، فجاء إلى أوروبا هارباً من أحزانه،
حين قال أنني مثل أخيه، رأيت دموعاً تترقرق في عينيه، أعرف أنه كلما تذكر أخاه، بكى، هوّنت عليه أحزانه، وقلت مازحاً لأخرجه من حالة الحزن: يلا امشي انجر هات لنا غدا يا أبو جهل، فهربت الدموع من عينه، وابتسم،
هذا هو سعد الذي عاد إلى وطنه، بعد سفرة طويلة، وتزوج من ابنة الشيخ محفظ القرآن، وأنجب ولداً سماه (محمداً)،
وما زال يذيّل رسائله ليّ على بريدي الإلكتروني- لأنه يعرف أنني أكره الموبايلات ولا أتعاطى الفسيبوك- بمزحته المعتادة
(ما زلت انتظر مجيئك إلى مصر يا صديقي الغبي)… كم أشتاق إليك يا صاحبي أبا محمد…..