بقلم : مجاهد منعثر منشد
قال تعالى :ـ {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }.
بقول الامام المهدي (عليه السلام) :ـ أشهد أنّك من الفرحين بما أتاهم الله من فضله وهذه منزلة كل شهيد فكيف منزلة الحبيب إلى الله القريب إلى رسول الله زادك الله من فضله في كل لفظة ولحظة وسكون وحركة مزيداً يغبطه به أهل عليين يا كريم الجد يا كريم الأب يا كريم النفس.
العنوان غريب بعض الشيء لكن عشاق الحسين (عليه السلام) يفهمونه .وحب الحسين (عليه السلام )الى علي الاكبر كحب يعقوب ليوسف (عليهما السلام).
وخير دليل قول الامام الحسين (عليه السلام) عندما استشهد علي الاكبر:ـ ((والله لا طاقة على حمله)).
لم تَرَ عينٌ نَظَــــرتْ مِثلَهُ …مِن مُحتَفٍ يمشي ومن ناعـِلِ
كان إذا شُبَّت له نـــــارُهُ… أوقدَها بالشـــرفِ القابـلِ
كيما يراها بائسٌ مُرْمــــِلٌ.. أو فردُ حــيٍّ ليس بـالآهلِ
لا يُؤْثرُ الدنيا عــــلى دينهِ… ولا يبيعُ الحــــقَّ بالباطلِ
أعني ابن ليلى ذا النَّدى والسُّدى .. أعني ابنَ بنتِ الحسَبِ الفاضلِ
ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد كانت ولادته بعد خلافة جده امير المؤمنين الامام علي ( عليه السلام ) بسنتين.
وولادته في المدينة المنورة الحادي عشر من شهر شعبان, فيكون له يوم الطف ما يقارب سبعاً وعشرين سنة.
والده السبط سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) .ووالدته الرشيدة الجليلة ذات القدرالسامي والمنزلة العالية المكانة تسمى ليلى الثقفية .و نسبها إلى بني ثقيف العرب الاصلاء. بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.
وجدّته لأبيه سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام.( وأمّا جدّه الأعلى أشرف الخلائق أجمعين سيّد الأنبياء والمرسلين ابو القاسم محمّد المصطفى الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين .
كان سيد الثقات مؤرخ الرسالة الاسلامية بدمه الامام المعصوم سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) يرى في ولده عليٍّ صورةَ جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإذا برز للقتال ظهيرة عاشوراء..
لم يكن من أبيه الحسين إلاّ أن يرفع شيبتَه المقدّسة نحو السماء، ثمّ يقول مخاطباً ربَّه جلّ وعلا:
((اللهمّ اشهدْ على هؤلاء القوم، فقد بَرَز إليهم غلامٌ أشبَهُ الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطِقاً برسولك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكنّا إذا اشتَقنا إلى وجهِ رسولك نَظَرنا إلى وجهه)).
ذلك أنّ مُحيّا عليّ الأكبر كان يحكي مُحيّا جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم.. وكان (علي الأكبر) من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً).
واول من بين لنا المنزلة العظيمة في قدر علي الاكبر عن طريق الثأر له هو المختار الذي كان سيفا بتارا لقتل قتلة الحسين وآل الحسين (عليهم السلام) .
ذلك هو العبد الصالح المختار بن يوسف الثقفي .ويتضح ذلك في قتله لعمر بن سعد .
كان المختار قد سئل في أمان عمر بن سعد ، فآمنه على شرط ألاّ يخرج من الكوفة ، فإن خرج منها هدر دمه .
فقال رجل لعمر بن سعد : إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً ،والله ما أحسبه غيرك ! فلمّا سمع ذلك خرج عمر حتّى أتى الحمّام ـ الذي سمّي فيما بعد بحمّام عمر
ـ فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ! فرجع ليلاً ، ثمّ أرسل ولده حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عمرة وبعث معه رجلين ، فجاءوا برأس عمر بن سعد فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه ،فصاح المختار يا أبا عمرة ، ألحقه به ، فقتله .
فقال المختار بعد ذلك : عمر بالحسين ، وحفص بعلي بن الحسين ـ أي علي الأكبر ـ ولا سواء !
وقول المختار دلالة واضحة على منزلة وقدر علي الاكبر بعد ابيه الحسين (عليه السلام) إذ جعل ثأر علي الاكبر له خصوصية خاصة .
لقد شهد أعداء الامام الحسين (عليهم السلام) بشجاعة علي الاكبر ,فذاك معاوية يعترف بحق الخلافة ويقول :ـ ((.. لا .. إنّ أولى الناس بهذا الأمر: علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه شجاعة بني هاشم )) .
ويقول الشاعر :ـ
في بأس (حمزة) في شجاعة (حيدر).. بإبا (الحسين) وفي مهابة (أحمد)
وتراه فـي خلـق وطـيب خلائـق ..وبليـغ نطـق كالنبـي (محمـد)
و جاء في حديث مأثور عن الإمام الباقـر(عليه السلام) أن علي الأكبر كان أول شهيد من بني هاشـم يوم عاشوراء.
وكذلك قال المؤرخون أبو الفرج الاصفهاني وغيره:ـ كان أول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين ( عليه السلام ) علي بن الحسين ( عليهما السلام ) .
في فجر العاشر من محرم صلّى الحسين (عليه السّلام) بأصحابه صلاة الصبح ، ثمّ خطبهم قائلاً : (( إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر )).
وبعد استشهاد انصار الحسين (عليه السلام) وتقدّم الهاشميّون يودّع بعضهم البعض ، وأوّل مَنْ تقدّم منهم للحرب أبو الحسن علي الأكبر (عليه السّلام) ، فلمّا رآه الحسين (عليه السّلام) رفع شيبته نحو السماء وقال : (( اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه .
ثمّ صاح الحسين (عليه السّلام) بعمر بن سعد : (( ما لك ؟! قطع الله رحمك , ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك مَنْ يذبحك على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) )) .ثمّ رفع صوته وقرأ : إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
ثمّ حمل علي بن الحسين (عليه السّلام) وهو يقول :ـ
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن ورب البيت أولى بالنبي
تا لله لا يحكم فينا ابن الدعي
أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علوي…
فلم يزل يُقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَنْ قُتل منهم ، حتى روي أنّه قتل على عطشه مئة وعشرين رجلاً ، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة , فقال : يا أبه ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟
فبكى الحسين (عليه السّلام) وقال : (( يا بُني ، عزّ على محمّد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك . يا بُني , هات لسانك )) .
فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه وقال له : (( خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوّك ؛ فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً )) .
فرجع الاكبرعلي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول :
الحرب قد بانت لها حقائقْ.. وظهرت من بعدها مصادقْ.
والله ربّ العرش لا نفارقْ .. جموعكم أو تُغمد البوارقْ.
وبمجرد أن رأى أعداءه الموتورين أنّ البطل قد صـرع، احتوشوه وانهالوا عليه ضرباً بالسيوف، فاعتنق علي الأكبر فرسه، ومن عادة الأفـراس العربية أن تفهم إشارة الاعتناق وتعيد بالفرسان عندها إلى موطن آمن، ولكن الجيش المعادي كان قد أحاط بعليّ الأكبر، وتدفق الدم من رأسه على عيني الجواد منعه من الاهتداء إلى معسكر الحسين، فحمله إلى عسكر الأعداء الذين دعاهم الحقد واللئامة إلى أن ينهالوا عليه بسيوفهم ويقطعوه إرباً إرباً.
فـي هـذه الفترة العصيبة، لم يطلب علي النجدة من أبيه، وتحمّل كل تلك الطعنات بصبر ويقين، ولكن عندما بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته: يا أبتاه، هذا جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل! فـإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعـة.
يقول الامام الحسين (عليه السلام) : يعز على جد ك وعمك وأبيك ان تدعوهم فلا يجيبوك وتستغيث بهم فلا يغيثوك.
ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به إلى السماء فلم يسقط منه قطرة.
فصاح الحسين (عليه السّلام) : (( قتل الله قوماً قتلوك يا بُني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفا ))14.
الشهيد علي الاكبر أعضاء مقطعة و أشلاء موزعة والامام الحسين (عليه السلام) قال ((والله لا طاقة على حمله)) , )و آهاته في صدره وعبرته تختنق والحسرات محبوسة يكفكف بقايا دموعه محتسباً صابراً..
وبعد ساعات من مصرع فلذة كبده سيلحقه .ويعلم ذلك علم اليقين لكن السيدة زينب كيف تخنق العبرة وكيف تحبس الحسرات وعلى أي استشهاد او واقعة تكفكك الدموع على جدها رسول الله (صلى الله عليه واله ) او على امها الصديقة الطاهرة او على ابيها المطبر في رأسه المغصوب حقه او على سم الحسن او على قطع كفين ابو الفضل العباس او على انصار الحسين او على الهاشميين او على اول الهاشميين في الطف علي الاكبر او على اخيها الحسين او على السبي واهانة بنات رسول الله والامام المعصوم زين العابدين,
فكيف بعقيلة الهاشميين ؟
وقيل أنها خرجت تندبه وتنادي باسمه , فعن أبي جعفر الطبري، عن شاهد عيان – حميد بن مسلم الأزدي – جاء هذا القول:((وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة، تنادي يا أُخيّاه، ويا ابن أخاه.. قال فسألت عنها، فقيل لي هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)).
وقال الطبرسي خرجت زينب تصيح يا ابن أخاه..
وكانت زينب الكبرى (عليها السلام) تراقب المعركة عن كثب، فلما سقط علي الأكبر وسمعت صوته، خرجت تنادي: يا حبيباه، يا ثمرة فؤاداه، يا نور عيناه، فأقبلت حتى وصلت إلى جثمان الشهيد فانكبت عليه، فجاء الحسين (عليه السلام) فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط. . فأخذ الإمام بيدها وأرجعها إلى الخيمة .
لهفي على عقائل الرسالــة .. لـما رأيـنه بتـلك الحالة
عـلا نـحيبهن والصيـاح ..فاندهش العقـول والأرواح
ناحت على كفيلها العـقائل ..والـمكرمات الغر والفضائل
لـهفي لها إذ تندب الرسولا ..فـكادت الجبـال ان تزولا
لـهفي لها مذ فقدت عميدها …وهـل يوازي أحد فقيدها
ومـن يـوازي شرفاً وجاهاً ..مـثال يـاسين شـبيه طاها
يـا سـاعد الله أباه مذخبا… نيره«الأكبر» فـي ظل الضبا
رأى الخليل في منى الطفوف ..ذبـيحة ضـريبة الـسيوف
وأقبل الإمام الحسين إلى فتيان بني هاشم وقال: «إحملوا أخاكم»، فحملوه من مصرعه، فجاؤوا به حتـى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
يال بيت النبي (صلى الله عليه واله ) قد فاق صبركم صبر نبي الله أيوب ويعقوب (عليهما السلام).
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن نبي الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد السلام عليك أيها الشهيد بن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم لعن الله امة قتلتك ولعن الله أمّة ظلمتك
ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به السلام عليك يا ولي الله وابن وليه لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وإليك منهم في الدنيا والآخرة .