مؤخرًا، أطلقت صحيفة “عصر إيران” الرسمية تحذيرًا صريحًا للمسؤولين، مشيرة إلى أن “استمرار الاستياء سيؤدي إلى انتفاضة وثورة”. هذا القلق لم يقتصر على الإعلام فحسب، بل وجد صداه أيضًا بين كبار رجال الدين في النظام.
ناصر مكارم شيرازي، أحد أبرز الشخصيات الدينية في نظام الملالي، عبّر عن مخاوف مماثلة، مما يعكس القلق العميق داخل أروقة السلطة بشأن احتمال فقدان السيطرة، خاصة بعد الانتفاضة الشعبية العارمة التي شهدتها البلاد عام 2022.
وتتسع الفجوة بين النظام والشعب بسرعة، وفقد النظام الكثير من قاعدته الاجتماعية، مما يعزز احتمالات اندلاع موجة احتجاجات جديدة تهدد وجوده.
تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران دفع المواطنين إلى حافة الانفجار. تزايد الضغوط الاقتصادية وسوء الإدارة المستمر عمّق حالة السخط الشعبي في مختلف فئات المجتمع، مما يشكل تهديدًا جوهريًا لاستقرار النظام.
معدلات البطالة المرتفعة، والتضخم المتصاعد، والتراجع الحاد في القدرة الشرائية جعلت الحياة أكثر صعوبة لغالبية الإيرانيين.
الارتفاع الجنوني في أسعار السلع، وتجاوز سعر الدولار حاجز 85,000 تومان، فاقم من معاناة الفئات الأكثر ضعفًا. هذه الأوضاع دفعت مكارم شيرازي إلى التحذير من أن “أساس الحكومة سيتزعزع”، في إشارة واضحة إلى إدراك النظام للأزمات السياسية المتفاقمة.
بعد انهيار هيمنة النظام الإقليمية، يجد حكام طهران أنفسهم أمام واقع جديد يتسم بتزايد الإحباط داخل أجهزتهم القمعية، خاصة مع التحولات الدولية التي قد تعمّق عزلتهم، مثل عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة.
هذه العوامل، إلى جانب الاضطرابات الداخلية، تدفع بالنظام نحو حافة فقدان السيطرة.
ويكشف التاريخ الإيراني عن دروس واضحة حول تداعيات السخط الشعبي الواسع. فالثورة الدستورية عام 1906 وثورة 1979 تمثلان مثالين بارزين على أن تجاهل مطالب الشعب يمكن أن يؤدي إلى تحولات سياسية جذرية.
وتثبت هذه التجارب أن القمع الممنهج والأزمات الاقتصادية، عند تفاقمهما دون حلول، يشكلان وقودًا لحركات تغيير كبرى لا يمكن احتواؤها بسهولة.
وفي عالم اليوم المتصل رقميًا، أصبحت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات رئيسية لتنظيم الاحتجاجات والتعبير عن الغضب الشعبي.
هذه المنصات تمكّن الإيرانيين من مشاركة معاناتهم، وتنظيم التظاهرات، وجذب الانتباه الدولي لقضيتهم.
وبفضل انتشار هذه الأدوات، يمكن أن تتحول حالات السخط المحلية بسرعة إلى احتجاجات وطنية واسعة، مما يزيد من صعوبة النظام في احتوائها.
فقد النظام شرعيته حتى بين أنصاره التقليديين، خاصة بسبب سياساته الإقليمية الفاشلة وفضائح الفساد المالي.
إنفاق مليارات الدولارات لدعم نظام بشار الأسد في سوريا أثار موجة من الغضب الشعبي، وعمّق الهوة بين الحكام والمواطنين. حتى الملالي مثل مكارم شيرازي بدأوا يعبّرون علنًا عن مخاوفهم بشأن مستقبل النظام.
تحذيرات مكارم شيرازي تعكس تصاعد الاستياء الداخلي والتحديات الجدية التي تواجه النظام. فهو يسعى إلى تنبيه المسؤولين إلى خطورة الأوضاع، لكن كلماته تكشف أيضًا عن إدراك متزايد داخل السلطة لهشاشة النظام وضعفه المتفاقم.
لم يعد الحديث عن سقوط النظام مجرد احتمال بعيد، بل بات حقيقة تلوح في الأفق.