كربلاء التي احتضنت جسد الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليها السلام، يبدو أن قدرها في الحياة أن تحتضن أجساد الثائرين ضد الظلم، واليوم، تحتضن جثمان الشهيد البطل الكاتب الروائي علاء مشذوب الذي اغتاله إرهابيو (جارة السوء) بثلاثة عشر رصاصة، لأنه تجرأ وانتقد هيمنتها المطلقة على العراق .
لقد كانت هذه العملية الجبانة إحدى أكبر الأخطاء (الغبية) التي ارتكبتها جارة السوء في العراق، لعدة أسباب، أولها أن القاتل معروف للقاصي والداني،
ولا سبيل للتغطية عليه وطمس معالم الجريمة، فالمسلحون التابعون لها يسرحون ويمرحون ويعبثون بالأمن كيفما يشاءون، يقتلون، يسرقون، يخطفون، يفجرون، في ظل عجز الحكومة العراقية عن ردعهم، ولأنهم بهذا الفعل الجبان زادوا من حجم الكراهية الموجودة في المجتمع العراقي (وخصوصاً في جنوب العراق)
تجاه جارة السوء، وأهالي كربلاء الذين ورثوا من أبي الأحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام كل القيم والمبادئ العظيمة والمفاهيم الإنسانية النبيلة يرفضون أن يتم استعبادهم من قبل هذه الجارة التي قتلت كل ما هو جميل في حياتهم،
واليوم سرقت منهم هذه القامة السامقة التي يفتخرون ويعتزون بها، سرقت منهم علاء مشذوب الخفاجي الكربلائي صاحب الأعمال الأدبية الخالدة (فوضى الوطن) و(انتهازيون ولكن) و(جريمة في الفيسبوك) و(حمام اليهودي) و(شيخوخة بغداد) والعشرات من الروايات والمجاميع القصصية التي كان من الممكن أن يرفدنا بعشرات اخرى غيرها فيما لو كتب له البقاء ولم تطاله يد الغدر !
لقد كان قلم الشهيد المغدور سيفاً مسلطاً على رقاب المروجين للإسلام السياسي، كان مشذوب بحق عاصفة عراقية كربلائية لا تتأخر عن فضح الفاسدين وسراق المال العام بإسم الدين،
كان على دراية تامة بما يمارس هؤلاء من جرائم بلغت من الانحطاط والخسة درجة تجويع الشعب وإفقاره وإلهائه بصراعات داخلية وانقسامات مذهبية لتبقيه متخلفاً عن شعوب المنطقة والعالم،
كان الشهيد مشذوب واضحاً في مهاجمته لتجار الدين الذين جعلوا العراق جحيماً وبات في تصنيف الأمم المتحدة أسوأ دولة في العالم من جميع النواحي وعاصمته هي الأسوأ وجواز سفر مواطنيه ثاني أسوأ جواز سفر في العالم .
لم يستطع هذا العراقي الحر أن يلتزم الصمت تجاه ما يراه يومياً من مآس تحصل في أرض الخيرات المنهوبة، الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن وطنهم ضد إرهاب داعش الذي صنعه التحالف الخفي بين دولتين متباغضتين في العلن متحالفتين في الخفاء، ولماذا يسكت وهو صاحب رسالة وطنية عبّر عنها بوضوح في كل أعماله الروائية ومجاميعه القصصية ومنشوراته في شبكات التواصل الاجتماعي ؟!
كان علاء مشذوب أكثر شجاعة منا نحن المقيمون خارج العراق، لأنه وببساطة كان في مرمى نيران الغادرين، ورغم درايته بأنه معرّض للموت في أية لحظة، لم يتردد في مهاجمة أخطبوط الشر الذي دمر العراق بالكامل، فدفع حياته ثمناً لمواقفه الوطنية .
واليوم، ماذا يقول القاتل لنفسه؟
هل هو مفتخر بما اقترفت يده القذرة من جرم بحق عمود من أعمدة الأدب في العراق؟
أم أنه يشعر بشيء من العار والجبن وفقدان قيم الرجولة؟!
كم منحه أسياده من مال؟
وهل يعادل هذا الثمن البخس حياة علاء مشذوب الذي لو قدّر له البقاء لاستمر في عطائه الذي لاينضب؟!
الكربلائيون لن يغفروا للقاتل، ولن يتركوا الجريمة تمر ويطويها النسيان، وإذا كانت المؤسسة الأمنية ستصدر بياناً خجولاً تدعي فيه أن مشذوب قتل بسبب خلاف عائلي فلن تتمكن من تغطية الشمس بالغربال،
بل حتى لو جاءت بأحد قدامى السجناء المنسيين في غياهب السجون (والذين ادخرتهم لتعدمهم في مثل هكذا مناسبات) لتتهمه باغتياله لن يصدقها أحد، لسبب بسيط، هو أن القاتل هذه المرة معروف !
بقلم : قصي صبحي القيسي كاتب عراقي مقيم في رومانيا qusay_alqaisy@yahoo.com