اسليدرالأدب و الأدباء

عطش الجسد

احجز مساحتك الاعلانية

حمادة توفيق

وفي طريقه إلى صفوت باشا انبرى يتذكرُ ما كان بينه وبين ناهد، فخالها أمامه ترقصُ، ها هي الآن تتمايلُ بقدٍّ ممشوق، قد ارتدتْ بذلةَ الرقصِ فأظهرتْ من جسدها الجميلِ أكثرَ مما أخفت، وها هي تغمزُ له بعينيها الساحرتينِ الآسرتين، فيبتسمُ لها متمايلاً معها يمنةً ويسرة.

فرملَ السيارةَ فجأة، فصنعتْ سيارته جلبةً على الطريق، كاد أن يدهسَ كلباً مرَّ من أمامه.

تنهد ثم قال : أين أنتِ يا ناهد ؟ أين أنتِ ؟
ثم واصل السيرَ في طريقه، شهور مضتْ ولا يزيدُ إلا تعلقاً بها وانشغالاً، قد شفّهُ الوجد، وأضناهُ البعد، وأرَّقهُ السهد، وانعدمتْ شهيته للنساء، كأنَّ الفتاةَ كانت ساحرةً شغلتْ قلبه بسحرها،

فصار عاشقاً لها متيَّماً بها، محباً مستهاماً، قد ملكتْ عليه أمره، حتى وهي غائبةٌ وبعيدة، فإذا هو يتحرَّقُ شوقاً إليها، ويتوقُ إلى عينيها الآسرتين، إلى ضحكاتها الرنانة، إلى نظراتها الماكرة، بل إلى كل شيءٍ فيها.

فيا لها من ساحرة ماكرة ! ويا له من عاشق مُبتلى !
تذكر كلامه معها يوم سألها وهما في القبو :

– أساحرة أنتِ أم شيطانة ؟
يومها ردت عليه قائلة : معاذ الله، ما تعلمت السحرَ، وما طلبت له طريقاً.

كانت تكذب، وهل تستطيعُ امرأة أن تهزّ عرشَ رجلٍ مثله، وتستوطنَ عقله وقلبه، إلا إذا كانت ساحرة ؟

لم تتعلمْ السحر، ولم تطلبْ له طريقاً ؟ كذبٌ وادعاء، كيف والسحرُ نفسه عيناها ؟

عيناها الخضراون النجلاوان، الآسرتان القاتلتان، يوم غمزتْ بهما، وأرسلت عليه وابلاً من النظرات الماكرات، سقط في شَرَكِ الحب، وألفى نفسه بين براثنه، ويومها أدرك يقيناً أنه عاشق، متيم، قد اهتزّ عرشه أخيراً، وتمكنتْ الغيداءُ من إسقاطه، وهو الذي عاش زمناً، لم تهزّه حسناءٌ ولا حوراء، بل لم ينجذبْ مطلقاً لواحدةٍ من جنسِ النساء.

ثم تأتي فتاته الخرود، فتتمكنُ وفي ليلةٍ واحدةٍ من فعلِ ما فشلَ الأخرياتُ في فعله زمناً، فإذا هو عاشقٌ متيم، وداعبَ القلبَ العصيَّ حبٌ عنيف، فإذا هو أسيرٌ ومبتلى.

لم تتعلمْ السحر، ولم تطلبْ له طريقاً ؟ كيف والسحرُ نفسه شفتاها ؟

شفتانِ لمياوانِ حلوتان، إذا فترا عن ابتسامةٍ عذبةٍ زادتْ هي حسناً على حسنها، وجمالاً فوق جمالها، وإذا ندّا عن ضحكةٍ ضحكتْ الدنيا كلها، وترنمتْ العصافير، واهتزتْ الغبراءُ طرباً وابتهاجاً، واكتستْ السماء بالفرحة والسرور.
شفتاها،

يوم ذاقَ شهدهما فعلا فيه الأفاعيل، نسي نفسه، واسمه، وماضيه وحاضره، نسي أولادهُ وأعمالهُ وزوجتهُ الراحلة، نسي كلَّ شيءٍ ولم يعد يتذكرُ إلا شفتيها اللذيذتين الشهيتين.

لم تتعلمْ السحرَ ولم تطلبْ له طريقاً ؟ كيف والسحرُ نفسه قدها الممشوق، وقوامها الرشيق، وجمالها الفتان، جمالها الذي لم يرَ له شبيهاً ولا مثيلا.

تساءل متنهداً : هل سينجحُ عواد في العثور عليها ؟ أم سيبوءُ مسعاه بالفشل ؟ وماذا أفعلُ إذا عثرَ عليها ثم طلبتْ الزواجَ مني مجدداً ؟ وكيف أنجحُ في استمالتها وإبقائها عندي ؟

ثم خطرَ له خاطرٌ غريبٌ فانزعج، وتمكنَ منه قلقٌ بالغ، فتوقفَ بالسيارةِ فجأة … »

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى