سلسلة حدث في الطرقات
اعتدنا علي زيارة مقابر امواتنا في اليوم الأول من كل عيد اذا كان عيد الفطر المبارك أو عيد الأضحى كأنه العيد ينتظرنا عند المقابر جلست عند قبر زوجي المرحوم اشكي له لوعة الاشتياق والحنين
كان هناك قبر مجاور قبر زوجي يحمل صورة شاب جميل يرتدي بدلة عسكرية برتبة ملازم استشهد في 1988 يعني قبل انتهاء الحرب العراقية الايرانية باشهر أتت إلى هذا القبر امرأه يقدر عمرها بالخمسين يلتحف جمال وجهها حزن عميق ومعها شاب لا يتجاوز ال20 سنة من العمر
جلست عند القبر فقال لها الشاب امي بعد نصف ساعة سأعود انا وأبي لنأخذك ذهب الشاب وبقيت المرأة تناجي صاحب القبر ودموعها تجري أسرع من نهر الفرات أخذني التعجب إلى هذا الحنين الذي لا ينقطع منذ ثلاثين عام تناجيه بنجوى كأنه دفن يوم أمس
بقيت أفكر بماذا يعود لها هذا الشهيد وكيف اواسيها، تركتها إلى ان هدئت قليلا قدمت لها الماء بارد لأخفف عن حرارة قلبها مع لهيب الشمس حيث كانت حرارة الشمس تقدر 40 درجة مئوية
أخذت الماء وشربت القليل منه وكفكفت دموعها وقالت الحمد لله على أية حال انكست رأسها بين قدميها واخذت تدندن مع نفسها وانا أنظر اليها حاولت ان اقطع هذا الحزن جلست قربها وقلت هون الله عليك يا اختي لو كانت الدموع تنفع لبكينا العمر كله بماذا يعود ليك هذا الشهيد
نظرت بعيني وهي تبحث عن الطمأنينة هل تبوح بسرها أم لا
ثم سألتني انت من أي محافظة قلت لها انا من بغداد قالت انا من بابل
لاحظت نوع من الارتياح لا أعرف لماذا ربما لكوني غريبة وبعيدة أو ربما عند انتهاء لقائنا سنفترق أو ربما هي بحاجة الى من تبوح له كأن قي قلبها صندوق من الحزن العتيق
قالت: سأسرد لك قصتي قبل أن يأتي ابني واذهب حيث لا نلتقي مرة اخرى
أبديت علامات الرضا على وجهي والقبول في سماع قصتها، هذا أول من أحبه قلبي في دنيا و آخر عشق لي هذا من مات لأجلي وانا بقيت أتمتع بالحياة احبني واحببته حب لا يعرف مقداره سوى الله
كان هناك نوع من تنافر بين عائلتين وهو شاب يتيم الأب عاش في بيت عمه أكمل دراسته ودخل السلك العسكري ونال رتبة الملازم تدخلت أطراف من الأصدقاء والأقارب وتمت الموافقة على زواج لكن انصدمنا بما هو أشد وأمر
حيث كان أحد أقاربي من درجة السادسة ينتمي إلى حزب الدعوى وهذا لا يسمح به القانون العسكري لحزب البعث أن يتزوج من هذه الفتاة
وبعد محاولات عدة وشرح صلة القرابة حيث تكون بعيدة وليس من درجة رابعة تمت الموافقة بشروط بأن يأتي بموقف مشرف في جبهة القتال على أساسه ينول كتاب شكر مع وسام الرافدين ونوط الشجاعه كأنهم يقولون له ارمي نفسك بنار وأخرج منها سالم.
رغم هذه الشروط التعجيزية كان يهون الموقف ويقول سيتم زواجنا أن شاء الله
وذات يوم عند الغروب طرقت باب دارنا ذهبت مسرعة ودقات قلبي أسرع من خطوات اقدامي كأني أعلم أنه هو الطارق
فتحت الباب وأرى عدنان أمامي بذلك الزي العسكري البهي ولون الزيتوني كأنه لون من ألوان الجنة بوجهه الباسم ونظرات محملة بأمل قال أنا ذاهب إلى القتال وأشار إلى السماء والله معنا وعند عودتي سيتم الزواج
كانت ثقته بالله عالية ذهب عدنان وانا احسب الساعات والأيام كنت أتوسل بالشمس لكي تشرق مبكر وتغيب أسرع.
مر شهر وعدنان لم يأتي وعدت 10 أيام أخرى أصبح 40 يوم ولم يصل من عدنان مرسال
وفي صباح يوم مشؤوم قال لي ابي البسي العباءة لنذهب إلى بيت عدنان انه أتى من الفرح لم انظر الى وجه ابي أسرعت أمامه وعند منتصف الطريق نظرت إلى وجه ابي لاحظت نوع من الغضب قلت بين نفسي ربما لأنه لم يقتنع بفكرة زواجي منه
وعند الوصول واذا بتشيع عسكري مهيب ونعش ملفوف بالعلم العراقي تحيطه باقات من الورد وفوقه كتاب الشكر مع نوط الشجاعة ووسام الرافدين حقق عدنان مايريد لكن لن يتم زواجنا تركني جسد بلا روح سكنت روحي قبر عدنان لبست الحداد لسنين بعدها
قدم لخطبتي أحد أقارب عدنان وقال لي ليس حبا بك ولكن للوفاء الذي تمتلكينه ولكي ماتشائين من شروط وخوفا من أقاويل الناس قبلت الزواج بشرط أن لا يمنعني من زيارة قبر عدنان مدى الحياة ولن اللبس اللون الأبيض في يوم الزفاف وسأكون لك الزوجة التي يرضى عنها الله
وها أنا منذ 30 عام لم انقطع عن زيارة قبر عدنان ولا عن دعاء له بصلاة ذهب وترك لي الحياة اشبكت بكفيها و ابتسمت و قالت هذه قصتي
وبعد نهاية الحديث أتى ذلك الشاب وقال هيا يا أمي ابي يستعجلك الذهاب قلت لها اتسمحين لي بنشر هذه القصه دون ذكر اسمك قالت انشري لم يبقى لي سوى قراءة قصص الماضي .
ثم افترقنا و كلانا ذهب بالاتجاه المعاكس