القاهرة أ ف ق
التحليق فوق العواصم المستباحة قبل أن تتخذ قرار للحرب، وتختار أرض المعركة، عليك أن تنتقي بعناية عدوك ولون خوذته وبيرقه. فإن كان في متناول السبابة والإبهام ، وكانت عظامه غير عصية على الدق والمسخ والتشويه، فانطلق أيها الصنديد تحفظك عناية الآلهة، وكل الشعب – أو ما تبقى من الشعب – معك. ولكن لا تغامر – يا رعاك الله – بسترتك وسروالك، لتخوض حربا لا تحفظ حزاما فوق كرش متهدل، أو تبقي وطنا ما عاد كالأوطان. اضرب ما شئت من شئت من ذوي القربى والأرامل والمشردين، وفرغ ذخيرتك الحية في كل صدر حي، واستعن باللحى والعمائم وأصحاب الفراء لسلخ ما تبقى من جلد الوطن، واحفر أخاديدك بطول التاريخ وعرض الجغرافيا لتواري سوأة إخوة كانوا أعزة حتى تمردوا. لكن لا ترفع صوتك فوق أصوات الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وإن ضربوا مطاراتك العسكرية كلها، وامتدت أياديهم إلى ما تحت سرة وطن كان طاهرا قبل أن تطأه الأقدام الغليظة العابرة. آن لإسرائيل أن تحلق فوق المطارات العربية كلها، وأن تجرب صواريخها الجديدة في عواصمنا القديمة، ففي إسرائيل لا عصمة لزعيم وإن كان صديقا، ولا حرمة لحدود وإن كانت ملاصقة. لم يكن ضرب جوار المزة العسكري مجرد عمل طائش أقدم عليه أفيغدور ليبرمان ذات تهور، ولم يكن لضرب الأسلحة التي كانت في طريقها لجنوب لبنان كما يدعي الإسرائيليون، ولم تكن لتجريب طراز حديث من الطائرات خرج للتو من مصانع إسرائيل الحربية لضرب الأسلحة الروسية والإيرانية المتطورة كما يدعي المراقبون، بل كان عملا عدائيا بامتياز، أراد منه العدو الإسرائيلي فرض أجندة جديدة على مائدة المفاوضات القادمة، إن كان في المستقبل ثمة مائدة. تغيرت المعادلة إذن، شاء من شاء وأبى من أبى، وعلى المتضررين اللجوء إلى الأمم المتحدة أو ضرب رؤوسهم فيما تبقى من حيطان مقدسة في بلادنا الآيلة للسقوط، أو الاكتفاء بالتهديد والوعيد كما فعل سفاح الشام في أعقاب الهجوم الثالث. كنا نظن أن سوريا وحزبها التابع سيحتفظان بحق الرد كالعادة وكما تشدق الناطق باسم النظام، لكن الرد السوري جاء أسرع مما نظن، فقد أعلنت الديار اللبنانية عن انفجار هائل في قاعدة حتسور العسكرية الإسرائيلية، ونسبت الانفجار إلى حزب الله اللبناني ردا على انفجار المزة. صحيح أن هذا الخبر غير مؤكد، وغير نزيه، وأنه لم يرد في أي من وكالات الأنباء المشهود لها بالحيادية، لكن أحدا لا يستطيع أن يشكك في قيام النظام وميليشياته بالرد في درعا ووادي بردى بارتكاب جرائم حرب جديدة ضد السوريين، نكاية في إسرائيل التي تسعى لتقوية المعارضة السورية – أو هكذا يقول النظام! الضرب في سوريا على أشده، والوجع والغليان يفوقان طاقة المواطنين البسطاء على الاحتمال. وكل مفاصل الوطن هناك منهكة. تضرب إسرائيل في الخاصرة، ويرد النظام في الأطراف، وبينهما يفجر انتحاري نفسه أمام ناد رياضي في العاصمة. أي وطن بالله يحتمل كل هذا الوجع؟ وأي نبتة يمكن أن تخرج مستقيمة الساق من تحت أنقاض ذاك الوطن؟ تبا لمن هناك قاتل ومن قتل، وتبا لمن برر لهذا الدمار ولمن سوق له، وسحقا لمن مول الحرب الكرامازوفية بالمال والسلاح والرجال. وويل للعالم من أطفال سوريا حين تضع الحرب هناك أوزارها. عبد الرازق أحمد الشاعر Shaer129@me.com