أخبار إيرانأهم الاخبار

طهران في مواجهة مصيرها: القمع الدموي بين مطرقة الانتفاضة وسندان التنازلات

طهران في مواجهة مصيرها: القمع الدموي بين مطرقة الانتفاضة وسندان التنازلات
تعيش طهران هذه الأيام حالة من التوتر غير المسبوق، حيث يجد النظام نفسه محاصراً بين ضغوط داخلية متصاعدة ومفاوضات خارجية تهدد ما تبقى من شرعيته. في الوقت الذي ينشغل فيه النظام بجولات تفاوضية حساسة مع واشنطن حول الملف النووي، تتآكل قاعدته الشعبية بوتيرة متسارعة، ويزداد السخط الشعبي في الشارع الإيراني، بينما تتعمق الانقسامات داخل بنية السلطة الحاكمة.
لم تعد المساومة في السياسة الخارجية مجرد ورقة دبلوماسية بيد النظام، بل تحولت إلى رهان وجودي: إذا اختار التنازل في المفاوضات، يخسر دعم قاعدته العقائدية المتشددة؛ وإذا تمسك بالتشدد، يواجه انفجاراً داخلياً قد يعصف به من الداخل. هذا المأزق الاستراتيجي دفع النظام إلى تصعيد غير مسبوق في وتيرة القمع، حيث باتت الإعدامات الجماعية هي الأداة الوحيدة المتبقية لإخضاع المجتمع.
في 24 أبريل 2025، ألقى المرشد الأعلى علي خامنئي خطاباً اتسم بالحذر والقلق، مستحضراً واقعة “صلح الإمام الحسن” في التاريخ الإسلامي. هذه الإشارة لم تكن عابرة، بل جاءت لتبرير إمكانية التراجع أو تقديم تنازلات مؤلمة، في وقت تتزايد فيه الضغوط من داخل النظام نفسه. خامنئي أقرّ بوجود تصدعات في قلب السلطة، محذراً من الأصوات المعارضة داخل النخبة الحاكمة، ومتهماً بعض المسؤولين بعدم القدرة على ضبط خطابهم.
على الأرض، شهدت إيران تصعيداً دموياً في تنفيذ أحكام الإعدام. ووفقاً لتقارير المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أعدم النظام 22 شخصاً في ثلاثة أيام فقط من شهر أبريل، بينما تجاوز عدد الإعدامات منذ تولي مسعود بزشكيان منصبه الـ 1,100 حالة، بمعدل إعدام كل 5.5 ساعات. هذا التصعيد لا يعكس قوة النظام، بل يكشف عن حالة ذعر سياسي، حيث لم يعد يملك سوى “الرعب المؤسسي” بديلاً عن الرضا الشعبي.
منابر الجمعة في مدن كَرَج، مشهد، شيراز، وبيرجند تحولت إلى أبواق للتحذير من “تفلت القاعدة الدينية”، حيث حذر أئمة الجمعة من فقدان السيطرة على الشارع، وربطوا الاستقرار الاقتصادي بعدم التفاوض مع الغرب، واعتبروا كل خطاب مخالف “أداة شيطانية”. هذه الخطابات تكشف عمق المخاوف داخل المؤسسة الدينية من فقدان الهيمنة على المجتمع، وتنامي تيار الرفض الشعبي.
المعادلة التي يواجهها النظام اليوم تبدو خاسرة في كل الاتجاهات: إذا فاوض وتنازل، يخسر شرعيته العقائدية؛ وإذا تشدد، يواجه انفجاراً اجتماعياً واقتصادياً لا قدرة له على احتوائه. البلاد تعيش انهياراً اقتصادياً متسارعاً، وغضباً شعبياً متراكماً، وجيلاً جديداً لا يعرف للخوف معنى.
النظام بات يدير أزمته لا من موقع القوة، بل من موقع الاختناق تحت ركام التناقضات: يفاوض علناً ويخون خطابه داخلياً، يقمع في النهار ويبحث عن شرعية في الليل، يحتمي بالماضي ويخشى من المستقبل الذي يصنعه الشباب في الشوارع. في لحظة كهذه، لم يعد القمع تعبيراً عن سيطرة، بل أصبح علامة على نهاية وشيكة.
قد لا يسقط النظام غداً، لكنه بدأ فعلياً رحلة الانهيار منذ اللحظة التي بات يخشى فيها الكلمة أكثر من السلاح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم حاجب الاعلانات

يرجي غلق حاجب الاعلانات للاستمرار فى تصفح الجريدة