تواجه الفاشية الدينية الحاكمة في إيران أزمة غير قابلة للرجوع، خاصة بعد سقوط دكتاتورية سوريا الوحشية. هذه الأزمة ناتجة عن ثلاثة عوامل رئيسية: القمع الداخلي والفساد الواسع النطاق، والهزائم الإقليمية، وصعود المقاومة المنظمة. وقد سلطت السيدة مريم رجوي الضوء على هذه التحديات وتأثيرها المحتمل خلال كلمتها في مؤتمر “السياسة الجديدة تجاه النظام”.
_ العامل الأول وراء أزمة النظام هو القمع الداخلي الشديد، والفساد المستشري، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة. فقد لجأ النظام إلى وسائل قمعية شديدة شملت الإعدامات الجماعية والاعتقالات العشوائية والسيطرة المشددة على الحريات المدنية. وتشير التقارير إلى أن النظام أعدم أكثر من 1000 شخص في عام 2024 وحده، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً في حملات القمع. ومع ذلك، لم تؤد هذه السياسات إلى استقرار النظام، بل زادت من غضب الشعب.
وفي الوقت نفسه، أدى سوء الإدارة الاقتصادية إلى تعميق الأزمة. تجاوزت معدلات التضخم 40%، وانهارت القدرة الشرائية للمواطنين، وزادت معاناة الشعب بسبب نقص الموارد الأساسية مثل الماء والكهرباء. كما أن السياسات الاقتصادية الفاشلة والفساد المستشري استنزفت ثروات البلاد في سبيل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية خارجية، بينما تركت الشعب يعاني. وقد أظهرت مقاطعة 90% من الانتخابات الإيرانية لعام 2024 أن النظام فقد الدعم الشعبي ولم يعد له قاعدة اجتماعية تذكر.
_ العامل الثاني الذي يفاقم أزمة النظام هو الهزائم المتتالية في المنطقة. فقد فشلت استراتيجية النظام القائمة على توسيع النفوذ من خلال دعم الجماعات والدول الحليفة في الشرق الأوسط. وكان سقوط دكتاتورية سوريا، التي اعتُبرت حليفاً استراتيجياً مهماً، نقطة تحول حاسمة. ورغم الدعم الذي قدمه حرس النظام الإيراني وحزب الله لجيش الأسد، إلا أن النظام الإيراني عجز عن إبقاء بشار الأسد في السلطة.
هذه التحولات قلصت بشكل كبير قدرة النظام على مواصلة دعمه للجماعات الوكيلة مثل حزب الله. كما أدى إغلاق الممرات الجوية والبرية التي كانت تُستخدم لنقل الدعم إلى لبنان إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي لصالح خصوم النظام. ولم تقتصر الخسائر على الجانب العسكري، بل شملت أيضاً تراجع الدعم الدبلوماسي للنظام على المستوى الدولي.
ـ العامل الثالث، وربما الأكثر أهمية، هو صعود المقاومة المنظمة داخل إيران. فقد لعبت وحدات الانتفاضة في طهران والمدن الأخرى دوراً محورياً في زعزعة استقرار النظام من خلال الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية. وأصبحت المقاومة الإيرانية المتمثلة في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بديلاً ديمقراطياً موثوقاً لمستقبل إيران، بفضل موقفها الواضح الرافض لكل من الشاه والشيخ.
وقد حققت هذه المقاومة زخماً متزايداً من خلال تنظيم الانتفاضات الشعبية وحشد الدعم العام، خاصة بين الشباب الذين يعانون من الفقر والظلم والقمع. وقد انضم العديد منهم إلى وحدات الانتفاضة، عازمين على المساهمة في تشكيل “جيش الحرية الكبير”. ورغم محاولات النظام لقمع هذه الحركة عبر تصعيد القمع ونشر الدعاية المضللة، إلا أن جهوده لم تحقق النجاح المطلوب.
وكان لسقوط دكتاتورية سوريا تأثيرات عميقة على النظام الإيراني، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي. فقد كشف هذا السقوط عن ضعف حرس النظام الإيراني وقواته الوكيلة، مما عزز ثقة الشعب الإيراني في إمكانية تغيير النظام. كما أثار الغضب العام من التكاليف الباهظة التي أنفقها النظام لدعم الأسد، وزاد من المطالبة بالتركيز على القضايا الداخلية بدلاً من التدخلات الخارجية المكلفة.
اليوم، يجد النظام الإيراني نفسه في طريق مسدود تاريخي. فالقمع الداخلي والهزائم الإقليمية وصعود المقاومة المنظمة أضعفت قبضة النظام بشكل كبير. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن إسقاط النظام ليس فقط ممكناً، بل بات قريباً. وقد أظهر سقوط نظام الأسد للشعب الإيراني أن نظام ولاية الفقيه ليس عصياً على السقوط.
ويُعد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ببرنامجه الواضح لإيران ما بعد النظام بديلاً ديمقراطياً موثوقاً. يشمل هذا البرنامج فصل الدين عن الدولة، وإلغاء عقوبة الإعدام، وضمان حقوق النساء والأقليات، وإنشاء إيران خالية من الأسلحة النووية، مدافعة عن السلام والتعاون في المنطقة.
الشعب الإيراني، الذي عانى طويلاً من الفقر والقمع والظلم، مستعد لكتابة فصل جديد في تاريخ بلاده. وقد حان الوقت للمجتمع الدولي لدعم نضال الشعب الإيراني والاعتراف بمقاومته. من خلال القيام بذلك، يمكن للمجتمع الدولي المساهمة في تحقيق حقبة من الحرية والعدالة والسلام لإيران والمنطقة بأكملها.