متبة – رياض حجلزي
.
يعتبر عصر المأمون من أزهى العصور في تاريخ الحضارة الإسلامية، وبخاصة النواحي العلمية والأدبية، وقد كان له اختراعات كثيرة في مملكته، منها أنه أول من فحص منهم من علوم الحكمة، وحصّل كتبها وأمر بنقلها إلى العربية، وحل إقليدس، ونظر في علوم الأوائل، وتكلم في الطب وقرب أهل الحكمة وقيل عنه أنه ” نجم ولد العباس في العلم والحكمة، وقد كان أخذ من جميع العلوم بقسط وضرب فيها بسهم ” ..
وفي عهده ازدهرت مكتبة “بيت الحكمة” التي أنشأها والده هارون الرشيد، كما أقام بها مرصدًا فلكيًا، وكاد أن يُفلس خزانة الدولة من فرط حبه للعلم والعلماء فقد كان يكافئ بعض العلماء من المترجمين بوزن الكتب التي ترجموها ذهبًا، وكان راتب المترجم في عصره من أعلى الرواتب في وظائف الدولة..
عُرف المأمون برجاحة عقله، وحبه للعلم والعلماء، حيث تبحَّر في الفلسفة وعلوم القرآن، كما درس الكثير من المذاهب، حتى قيل عنه إنه لو لم يكن المأمون خليفة لصار أحد علماء عصره! ولكن إن خسرت الحضارة الإسلامية المأمون عالمًا، فقد كسبت مقابل ذلك كثيرًا من العلماء الرواد في عهده كالخوارزمي في الرياضيات والفراغاني في الفلك وغيرهم، حيث كان المأمون حريصًا على رعاية العلماء وتوفير كل ما يحتاجونه، كما اهتم ببناء المكتبات والمستشفيات، وشجع على نشر العلم، وأتاح لكل ذي نظر وفكر أن يبدي رأيه وأن يقول بما يعنقد، مهما كانت خطورة ذلك على الدولة، إلا أن هذه هي عادة الدول في مراحل استقرارها بعكس مراحل تأسيسها لا سيما إن كان على رأسها حاكم يقدر الفكر كالمأمون !!
وإن كانت تلك المناظرات التي كان يعقدها المأمون في مجلسه لها إيجابيات كإثراء العلوم الدينية وبخاصة في الجوانب الفقهية، وأفرزت عن نشوء علم الكلام الذي كان من شأنه إثبات العقائد بالعقل والمنطق وكان ذلك ضروريًا لمخاطبة الداخلين في الإسلام من الفرس وقد كانوا حاذقين في المحاجاة .
إلا أن الخوض في بعض المسائل الخاصة بإثبات العقائد واعتماد العقل وحده أدى إلى حدوث انحرافات لأن العقل محدود والعقائد تتعرض للغيبيات والحُجّة فيها للنص الصحيح من القرآن والسنة.
وقد أفضت هذه الانحرافات في النهاية إلى تفرق بعض أجزاء الأمة ..
وبعكس والده هارون الرشيد يؤخذ على المأمون موقفه من الإمام ابن حنبل في فتنة خلق القرآن ..
.
المصدر
ذكرى سقوط الخلافة
تاريخ اسلامي