متبة – رياض حجازي
.
بعد سقوط دولة خوارزم ومقتل السلطان جلال الدين عام 1231م على يد المغول أصبح الطريق إلى بغداد مفتوحا أمامهم، وقضى هولاكو في طريقه إلى بغداد على الدولة الإسماعيلية، بعدها أرسل للخليفة العباسي المستعصم رسالة تهديد عنيفة أعقبها حصار للمدينة بضعة أيام استسلم على أثره الخليفة المسعتصم ودخل المغول المدينة فعاثوا فيها الفساد وأعملوا القتل في سكانها الذي لم يسلم منه المستعصم نفسه ورجاله ليسجل التاريخ يوم العاشر من فبراير 1258م كأحد أسوأ الأيام في التاريخ الإسلامي.
ويروي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية عن الفزع والهلع الذي أصاب أهل بغداد حين دخلها المغول: “وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات، ويُغلِقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار، إمَّا بالكسر وإما بالنار، ثُم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة، فيقتلونهم في الأسطحة، حتى تجري الميازِيبُ -مزراب الماء – من الدماء في الأزِقَّة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقُتل الخطباءُ والأئمة وحَمَلَةُ القرآن، وتعطلتِ المساجد والجماعات والجمُعات مدة شهور ببغداد.
ولم ينجُ منهم أحدٌ سوى أهلِ الذِّمَّة من اليهود والنصارى، ومَن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخَذوا لهم أمانًا، بذلوا عليه أموالاً جزيلةً حتى سلِموا وسلِمَتْ أموالهم.
وعادتْ بغداد بعدما كانتْ آنَسَ المدنِ كلِّها كأنها خرابٌ، ليس فيها إلا القليلُ من الناس، وهم في خوفٍ وجوع، وذلة وقلة”.
وقد قام المغول بهدم عمران بغداد ومعالمها الحضارية وقاموا بنهب تراثها وحرق أسواقها ومساجدها ومكتباتها بحيث ظلت النيران تتأجج ليالي عديدة، وقد دام القتل والحرق أربعين يوما أصبحت بعدها بغداد في حالة من الدمار لا يصدق.. وقد استهدفت مكتبة بغداد العظيمة وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمان، وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام، حيث حمل المغول الكتب الثمينة وألقوا بها جميعا في نهر دجلة الذي تحول إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل الفارس المغولي كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة لأخرى.
وسقطت بغداد ..
حاضرة الخلافة العباسية، تلك الخلافة التي أثرت واستوعبت الإنجازات الفكرية والعلمية للمجتمعات الأقدم عمرًا لتنصهر معا في جعبتها وتتكيف مع عقيدة الإسلام.
سقطت بغداد عاصمة الحضارة الإسلامية على مدار خمسة قرون، تلك المدينة التي برز فيها العلماء والأدباء على اختلاف أصولهم ومعتقداتهم الدينية فبلغت شهرتهم الآفاق ليكتبوا معا فصلًا هاما في تاريخ الحضارة الإنسانية ..
فضلا تحت عنوان النهضة الحضارية في الدولة الإسلامية ..
ويظل المسلمون لأول مرة في تاريخهم بدون خليفة ولمدة ثلاث سنوات متواصلة !!
.
المصدر
ذكرى سقوط الخلافة
تاريخ اسلامي