خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على فطرة إلهيّة في خلقه، مبنيّة على مشاعر طبيعية إنسانيّة للتعايش مع أبناء جنسه بطريقة سليمة، ووضّح له طريق الحقّ وطريق الضّلال، وابتلاه بأنواع من البلايا لينظر إليه كيف يعمل، ثمّ حذّره من وساوس الشرّ والحقد وقساوة القلب التي تؤدّي إلى فساده،لأنّ القلب يفسد من الأمراض التي تصيبه.
ومن أبرز هذه الأمراض التي أصبحت متفشيّة بشكل كبير في المجتمع، وتسبّب الكثير من المشاكل الاجتماعيّة،مرض (طاعون المشاعر )الذي يختصر بكلمة( الحقد).
الحقد من أخبث الأمراض الروحيّة والنفسيّة التي تسدّ شرايين القلب، وتصبغه باللون الأسود القاتم، فالأمراض التي تصيب الرّوح أخطر من الأمراض التي تصيب الجسد وقد يكون من الصعب علاجها.
الحقد لغة كما عرّفه ابن منظور في لسان العرب: “إمساك العداوة في القلب والتربّص لفرصتها”.
واصطلاحا هو:” طلب الانتقام وتحقيقه، وقيل: هو سوء الظنّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة”.
إنّ الحقد هو الكره الشديد ويكون ذلك بسبب الغيرة أو الخصومة التي تتملّك الشخص وتسيطر عليه، وقد تتطوّر إلى شعور الغضب والعدائية والعنف والرغبة في الانتقام،وعادة يصيب أصحاب العقليّات المقيتة، والأفكار المعقّدة والنّفوس الضعيفة الفاقدة للثقة والأمان، والتي تشعر دائما بمركّب النّقص،وعدم الرضاء والقناعةبتقبّل الواقع التي تعيشه.
ويمارس هؤلاء حقدهم هذا في السرّ والعلانيّة ضدّ كلّ من كتب الله له النجاح والتألّق في حياته المهنيّة، أو غيرها من المناصب الاجتماعيّة التي يمكن أن تجلب لصاحبها الحقد والحسد من أصحاب هذه النّفوس غليظة القلوب.
وقد يكون حقدهم لأتفه الأسباب وأحيانا من دون سبب محدّد وواضح،فالشخصيّة الحقودة من أسوأ الشخصيّات التي ممكن أن يقابلها الإنسان في حياته.
والإنسان الحقود سجين من الداخل، لا يستطيع أن يمدّ يده إلى أحد لأنّ يديه مكبلّتان، فهو لايعرف معنى الحب أبدا، لذلك فإنّ علاقاته مع الآخرين محدودة.
وهو شخص غير اجتماعي عموما،يدقّق على توافه الأمور ويعطيها أكبر من حجمها، ويصدر حكمه على الآخر بتسرّع ومن دون تفكير، ويتمنّى أن يرى غيره مهموما ومغموما، ينسى المعروف الذي يقدّمه الناس له،
ويقابل الخدمات التي أسديتْ له بحقده الأسود ومخزون حسده المرَضيّ،ولا يتذكّر إلا الأخطاء والهفوات والمواقف السيّئة، ويعظّم أخطاء غيره، ويذكّرهم بها دائما، ويصغّر أخطاء نفسه ويقلّل من إثمها، ويرمي بعيوبه على غيره،
ويسقط صفاته البشعة على الآخرين لشعوره الدائم بالنّقص، ويتمنّى الفشل والسقوط لغيره، ولا يتمنّى لهم الخير والنجاح، يحزن لفرح النّاس، ويفرح لحزنهم، ولا يشاركهم مشاعرهم، ويتهرّب من تقديم المساعدة لهم، ويتذرّع بالانشغال حتى لا يعاونهم.
ويفضح أسرار الآخرين، ويتكلّم بها أمام النّاس. ويخون الأمانة، وبعيد كلّ البعد عن التهذيب والذّوق واللين.
الحقود كثير الرغبة والتفكير في التعرّف على أخبار الغير ومراقبتهم، ويشغل وقته في ما لا ينفع وهذا يشغله في كثير من الأحيان عن الاهتمام بأموره الشخصية، فلا يهنأ براحة البال، ولا يستطيع السيطرة على مشاعر الكره والحقد التي يكنّها تجاه الآخرين. فيصبح منبوذا من المحيطين به، بسبب سمعته السيئة.
و هو يفتقد لمعنى الصداقة في حياته، لأنّه يسيء الظنّ بغيره ويتعمّد إحراجه،وإيقاعه في مواقف سخيفة، ويكثر من إلقاء الكلمات الجارحة عليه.
ويغار من نجاح الآخرين وتفوّقهم، ولا يقبل بإرشادهم أو تحكّمهم في مجريات الأمور، فالكلّ يبتعد عنه ويعيش في عزلةتامّة، الأمر الذي يؤدّي به إلى عدم النّجاح في حياته الاجتماعيّة بكافّة أشكالها، ويفشل في تحقيق أهدافه، بسبب غياب التعلّم واكتساب المهارات والخبرات لعدم تقبّل مايفعله الآخرون.
يجب أن يدرك الإنسان الحقود، بأنّ الحقد طريق الخسارة والدّمار، وبأنّه سيدفع الثمن باهظا مقابل ذلك الحقد، الذي يكبّله بضغوط تسبّب له معاناةواضطرابات شديدة تستحوذ على قلبه، وتبدّد مشاعره وتفكيره وتحطّم عقله، ويعيش حياته بالشقاء والضغينة.
فنار الحقد تحرق صاحبها، لذلك لابدّ من تجنّبها قبل الوقوع في شراكها، وتدريب النّفس على الصّبر والمودّة و التعاطف والتسامح مع الآخرين، الذي يشيع التعايش المسالم بعيدا عن الأحقاد القلبيّة التي تشكّل خطرا على حياتنا المعيشيّة، وتقضي على العلاقات الإنسانيّة.