الأدب و الأدباءالثقافة

صوت في الجوار }

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم / فايزة ربيع

كلما مرت الايام كلما تركت فينا من آثارها ما يملأ القلب و العقل فنجد أنفسنا و بدون مقدمات لم تعد تقوى علي تحمل ما كنا نستوعبه من قبل ، فكم مرت بنا أموراً و مواقف غير مرغوب فيها فاحتفظنا بها بداخلنا ، فليس لدى الجميع مهارة الإفصاح عما بداخلهم ، فالأفضلية عادةً في الكتمان إلى أن تتزاحم المشاعر و تكبت ، و حتى إذا أردنا البوح بالقليل منها أبت ألسنتنا و تلعثمت فكثيراً ما تتعثر كلماتنا نتيجة لما تراكم بداخلنا و ربما تخوننا بعضها فلا نجيد التعبير عما نشعر به و أحياناً أخرى لا نستطيع حتى تقييم مواقفنا و مشاعرنا [ أصواب هي أم خطأ ؟! ] فتتملكنا الحيرة إلى من نَفر و لمن نركن إليه بمتاعنا فيجيد الإعتناء بها و بِنَا دون ان يوقعنا في فخ الاستجواب..
فليس هناك أجمل من أن تجد من يجيبك دون تصريح منك ملبياً نداء خاطرتك و هو يرفع عنك عناء التبرير و الشعور بالحيرة و يقدم لك من الكلمات و المعاني ما يرضى عنك نفسك ، عادلاً في الحكم عليك ، ناصحاً لك و منصفاً أيضاً في نفس الوقت ، مشبعاً لقناعاتك ، حاملاً عنك أعباء الشرح و التفسير
فلا تدري من أجابك ! أهي نفسك و لكنها سكنت إلى كيان آخر لشخص آخر يشبهك كثيرا لتجيبك من خلاله ! أم يكون ذلك توأم روحك الذي يسكنك هو ..! ذلك القريب الملازم لك كالظل في كل خطواتك ، أو ربما لا يزال بعيداً فلم تلتقي به إلا بداخلك فقط ، فإذا كانت الظروف و المسافات قد حالت بينكما ، إلا أن ذلك لم يمنعه أن يكون هو أسرعهم في تلبية ندائك أو ربما لم تكن أنت مسموعاً إلا لدونه فقط ، فهو الملهم و السند ، و أحياناً كثيرة يكون هو صوت العقل الذي يردك إلى نفسك كلما طافت بك أحلامك و حالت بينك و بين واقعك ، فقد تكون أنت من تراها أحلام يمكن تحقيقها , و يراها هو أوهام و دوامة ربما لو استمرت كنت انت أول الغارقين فيها فيكون هو أول المنقذين لك منها ..
فكثيراً ما يحدث ان يسرد كل منا كلماته في سطور فتصل للآخر بدون توجيه متعمد أو إتفاق مسبق ، فأجمل ما يميز هذا التواصل أنه لا يحكمه زمان أو مكان , فهو لقاء بين الواقع و الخيال و لكنه يحمل أصدق الكلمات و أنقاها ..
قد يكون في حياة كل منا ذلك الصوت الذي يلهمه و يتقاسم معه خواطره و أحلامه حتى المستحيلة منها ، فلا يهم إن كان صاحب هَذَا الصوت حاضراً أم غائباً فهو بداخلنا و الإتصال هنا روحانياً و هذا ما يجعل اللقاء الحقيقي حتمياً و إن طال الانتظار ، فكم التقينا بأشخاص للمرة الأولى فشعرنا و كأنهم خُلقوا معنا فحين تلتقي العيون فالأرواح هنا كفيلة أن تكمل اللقاء و تتممه فقد التقت من قبل أن تلتقي و تعارفت ببعضها جيداً ..
فمن حالفه الحظ منا هو من وجد في ذلك الذي يسكنه; نصفه الثاني فيكمل كل منا الآخر بعقلانيته و اتزانه عندما تميل العاطفة بكلانا إلى الهاوية ، فكثيراً ما تغلب علينا المشاعر في مواقف لا تستدعي ذلك أو ربما تقع في غير توقيتها الصحيح ، و قد نتمادى و نحن في غفلةٍ من ذلك إلى أن نجد من يقومنا و يأخذ بنا إلى حيث الواقع ، فالإفراط في تحكيم العواطف غالباً ما يؤدي إلى تغييب العقول ، مما يجعل الكثير من اختياراتنا حصيلة للندم فيما بعد ، فعندما يغلب صوت القلب على صوت العقل حتماً سيختل التوازن .. فلا يُطفئ مصباح العقل سوا العواطف العاصفة ،، و هي حالة من حالات الضعف التي نمر بها فنصبح في أشد الحاجة لمن يعيننا على قلوبنا الساكنة بداخلنا ،، و يذكرنا بأن { أحاديث القلوب بدون حسابات فهي دائماً في المطلق ؛ و أنه علينا تأجيلها لحين يتفكر فيها العقل و المنطق }
لذا .. إن كنت تبحث عن الآمان حقاً ستجده في كلمات و صوت ذلك الذي يحمل نصف نفسك ، هو حتماً موجود و ربما يكون في الجوار و أقرب مما تتصور و لكنك لم تلتفت له ، فقط ابحث عنه و اصبر نفسك معه و لا تكمل مشوارك في الحياة و حيداً ، فكلنا بحاجة لأن نكتمل بنصفنا الآخر ، فستجده حينما تُمعن النظر فيمن يهتم لأمرك حقاً و يحنو عليك بكلماته حتى و إن كانت تبدو في ظاهرها قاسية فهي يقيناً لصالحك.. هو مَن ينصت إلى ما تعجز أنت عن قوله ، و يبصر ما تخفيه عنك نفسك ، هو مرآتك و صورة ذاتك التي أرادتك دوماً كياناً لائقاً بها ،، فهو حقاً طبيبك إذا ما آلمتك جروحك ، هو فقط توأم روحك..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى