بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
لم يكن يخطر ببال أشد المتفائلين بمستقبل روسيا الجديدة أن تصل وبتلك السرعة الجنونية إلى مركز الصدارة ضمن مضمار صناعة وتعطيل القرارات المصيرية الحساسة ، وأن تتمكن من ترجمة رؤيتها على مختلف الأصعدة الأقليمية والعالمية وذلك عبر مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية بمقعدها ذات القواعد الضخمة المؤلفة من رفات سكان العالم والمطل على كوكب الأرض النازف تحت مظلة ( تحقيق المكاسب أولى من حماية الأرواح ) .
وكلما كانت روسيا تتحايل على الزمن من أجل أن تتعافى من أعراض الحرب الباردة
مع العدو الأفتراضي الولايات المتحدة عبر صياغة مشروع نهضة طويل المدى وتستعيد قوتها ونشاطها كانت واشنطن تميل تدريجيا للحوار دون شروط مسبقة !!
وقد بدا ذلك جليا على خلفية أمتناع أوباما من الأقتراب من كرة اللهب الروسية التي ييتعد عنها الجميع أثر تدحرجها لشبه جزيرة القرم و الأراضي السورية ولاحقا إلى قلب معظم الأزمات العالمية الساخنة .
ومن البديهي بأن جنوح المؤسسة العسكرية الأمريكية في عهد أوباما ( الرئيس المنتهية ولايته ) إلى التعلل بعدم الرؤية وضبابية المشهد مما يمنحها جملة أعذار تبرر تباطئها بالتدخل السريع تجاه التحركات الروسية ذات الصبغة الأستعمارية ،
بالأضافة إلى فوز العشيق السري للكرملين ( ترامب ) بمقعد الرئاسة الأمريكية ، كانت تلك المرحلتين نقطتا تحول مفصلي بتاريخ القيصر الروسي الجديد الطامح بأستعادة أمجاد الأتحاد السوفيتي والتحكم بزمام المشهد العالمي من خلال حصوله على شيفرة لوحة التحكم بالصراعات العالمية والتي كانت حكرا على واشنطن لسنوات طويلة ؟؟
وذلك عقب تفكك الأتحاد السوفيتي وزوال نظام القطبين العالميين وولادة عصر القطب الأوحد .
لكن اليوم ، تخرج أمريكا من مشهد كانت فيه الدولة القائدة الوحيدة لهذا العالم ، ووضع الأتحاد الأوروبي أيضا لا يختلف كثيرا عنها ، فهذا الأتحاد والذي يعتبر نفسه نبراسا للحرية والديمقراطية ، بقي صامتا أمام ضوضاء أستيقاظ الدب الروسي وأستفزازاته المستمرة بحق دول الجوار وأمام المجازر الدموية في سوريا.
ومختلف دول العالم ، ليدخل بوتين المشهد العام بقوة وحزم على هامش ضعف المجتمع الدولي المنشغل بأموره الداخلية والخائف من خوض غمار حرب عالمية جديدة تزهق أرواح مئات الملايين من اليشر وتعيد القارات المضيئة الأن إلى عمق الظلام الداكن ( كما هو حال العرب الأن ) .
وبينما يمارس الطغاة الدمويون الأنتهاكات والخروقات المتكررة بحق سكان العالم ومع أقتراب ساعة الحساب والمكاشفة يسارع أولئك الطغاة بالسقوط طواعية في أحضان بوتين طلبا للأنقاذ و النجدة ؟؟
فبوتين ( رجل المخابرات السابق ) لايستخدم المساحيق الأعلامية في خطاباته ولكن يعلنها وبكل تملق ، نحن ( الروس ) نمد يد العون لمجرمي العالم إينما وجدوا ومهما بلغت مستويات أجرامهم ومهما حاول البعض جاهدا لدق ناقوس المجتمع الدولي منذرا بحصول جرائم لاتغتفر ولايمكن السكوت عنها ؟؟
مادام خط الدفاغ عنهم يلتقي مع خط المصالح الروسية العليا !!
وتلك الحقيقة السوداء تفسر التحركات التالية ..
* لجوء الأسد ومنذ بداية الصراع الدموي مع الشعب السوري إلى أعتاب منتجع بوتبن الشتوي لممارسة فروض الطاعة والولاء والتوقيع على صك بيع الجمهورية العربية السورية ، بعد أدراكه ( الأسد ) أمرين شديدا الأهمية والخطورة ..
الأمر الأول : بأن موسكو تمتلك رغبة قصوى بأستغلال كهذه الأحداث من أجل أبراز قوتها للمجتمع الدولي ، وبأنها ستقدم للأسد جميع صور الدعم اللازمة .
الأمر الثاني : بأن الحراك الشعبي قد بلغ الذروة وفاق مقدرة الأسد وقواته على تحمل تبعاته مما من شأنه أن ينهي حكم آل الأسد .
* تقديم الملك سلمان قرابين الطاعة لعراب الأجرام العالمي “بوتين” بعدما تعرضت الحرب السعودية في اليمن لمزايدات أمريكية بلغت حد الأنذار بالمحاسبة ؟؟
فسلمان أدرك متأخرا بأن الأكتفاء بالدعم الأمريكي غير كافي للهروب من قفص الأتهام إزاء جرائم التحالف الدولي بقيادة السعودية في اليمن ، مما دفعه لزيارة موسكو في خطوة يمكن وصفها بالهروب إلى الأمام بعد قرارات الأمم المتحدة ومجالس حقوق الأنسان التي أتهمت التحالف العربي بالقيام بجرائم حرب في اليمن والتي كان لها وقع الزلزال على أسماع حكام السعودية ( حلفاء واشنطن ) !!
يلزمنا الكثير من الثقافة والوعي لفهم مجريات الأحداث الداخلية والخارجية على العموم .
أردوغان يشارك العزف بأوركسترا الهاربين من الحظيرة الأمريكية !!
عقد أردوغان والذي يملك أنفا شديد الحساسية لتقلبات الأوضاع العالمية العزم على السباحة ببرك الساحة الحمراء عاريا أرضاءا لبوتين ( للأسباب الواردة أعلاه ) وذلك رغم برودة الطقس !!
وإلى هنالك ، فقد تصاعدت حدة التوتر الناجم عن “أزمة التأشيرات” بين تركيا و الولايات المتحدة الأميركية ، في ظل تباين التوقعات حول تداعياتها على جوهر العلاقات الإستراتيجية بين الحليفين التقليديين السابقيين ،
وصبت تركيا جام غضبها على السفير الأميركي في أنقرة جون باس، وأنحت عليه باللوم في “أزمة التأشيرات”، بل وذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طلب مغادرته البلاد رسميا .
وتحول باس إلى كلمة مفتاحية جديدة في البحث عن أسباب التوتر في علاقات البلدين، ملتحقا بالعقدة المستعصية التي يمثلها أسم المعارض التركي المتهم بتدبير محاولة الأنقلاب الفاشلة فتح الله غولن ، و”بقوات سوريا الديمقراطية ” ، وبتغاضي واشنطن عن رغبات أردوغان الملحة المتمثلة بالأطاحة بالأسد مما يسهل بسط سيطرته على بعض المناطق السورية مسترجعا هو الأخر أحلام عودة الحكم العثماني بفارغ الصبر .
كما تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن قبل عدة أيام أن أنقرة وحلفاءها قد شرعوا في أتخاذ خطوات بغية تأمين محافظة إدلب ، موضحا أن العملية تنفذ من قبل “الجيش السوري الحر” بإسناد جوي روسي وبدعم بري من قبل أنقرة من داخل الحدود التركية .
حيث تعتبر معركة إدلب بالنسبة لتركيا حركة أستباقية لمواجهة تداعيات مرحلة ما بعد معركة الرقة ، ولعل الأمر نفسه ينطبق على حسابات تركيا تجاه محور تحالف النظام وإيران وروسيا وحزب الله ، لأن احتمال تحرك هذا التحالف بأتجاه محافظة إدلب -بعد دير الزور – يبقى قائما، ولا سيما بعد أن أصبحت المحافظة وجهة للجماعات المسلحة المتعددة الولاءات
عندما تمتلك القوة المفرطة ضمن حدود مجتمع لايعترف بسواها ، يحق لك مالايحق لسواك !!
وقد أنتهى تقرير فريق الأمم المتحدة إلى أن الحكومة السورية كانت مسؤولة عن أكثر من 20 هجوما كيمياويا منذ مارس/آذار 2013 بالأضافة إلى الهجوم الكيماوي على بلدة خان شيخون ، و بإن القوات السورية أستخدمت في إدلب، وحماة، والغوطة الشرقية غاز الكلور ،
ويشمل التقرير – وهو الرابع عشر للمحققين منذ بدء تحقيق المنظمة الدولية – الفترة من أبريل/نيسان إلى يوليو/تموز من العام الحالي، ويتضمن تحليلات مفصلة عن الهجمات في تلك الفترة .
وبما أننا نعايش تدهور الوضع الراهن الغير مسبوق بأدق تفاصيله وذلك في ضوء أستحالة تحقيق العدالة والمساواة والأنسانية ،
تمارس الدول الكبرى عهرها دون مواربة مما يمنح المجرمين على سطح كوكبنا الحماية والدعم على حد سواء ؟؟
حيث تعهدت روسيا مؤخرا _ خلال لقاء وزيرا الخارجية السوري والروسي في منتجع سوتشي الروسي _ بالحيلولة دون إدانة النظام السوري بأستخدام الأسلحة الكيميائية ، في وقت أعلن وزير خارجية النظام وليد المعلم أن النزاع في سوريا يدخل “فصله الأخير” .
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اللقاء أن بلاده “ستمنع محاولات تسييس الملف الكيميائي، وستتصدى بحزم لمحاولة أتهام الحكومة السورية بالوقوف وراء حوادث استخدام المواد الكيميائية على الأراضي دون أدلة” .
عزيزي القارىء أن المثير للأهتمام ضمن تفاصيل هذا المقال هو نقطة الأختلاف الوحيدة بين واشنطن وموسكو !!
فواشنطن تحبذ البقاء ضمن مربع التصريحات بينما موسكو تقفز مباشرة إلى دائرة العمل !!
ولإزالة عوائق الفهم ، حيث مؤخرا وخلال الشهر الماضي نعت موسكو، عددا من ضباطها في دير الزور من بينهم كبير مستشاريها العسكريين في سوريا ،الجنرال فاليري أسابوف،
مع التأكيد الروسي بوجود “خيانة” من حلفاء وراء الحادث ، لتعلن وعلى لسان كوناشينكوف ” الناطق الرسمي بأسم وزارة الدفاع الروسية ” ، “إذا اعتبرت الولايات المتحدة عمليات من هذا القبيل مصادفات غير متوقعة فسيكون سلاح الجو الروسي حينها مستعدا للبدء في تدمير كامل لكل هذه المصادفات في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم” !!
مما جعل واشنطن تكبح فرامل تحركاتها وبشكل مفاجىء وتعيد ترتيب حساباتها من جديد ، وخاصة عقب تصريح وزارة الدفاع الروسية المبطن بسوء النوايا ، فقد ذهبت وزارة الدفاع الروسية إلى حد القول إن الهجمات التي شنها التنظيم المتشدد، مؤخرا، على القوات النظامية السورية أنطلقت من مناطق تتمركز بها قوات أميركية !!
وبناءا عليه ، لايشترط عودة موسكو إلى تصدر المشهد العالمي خروج واشنطن من اللعبة ، فالأخيرة تملك أوراق قوة عديدة يمكن القاءها على طاولة اللاعب الروسي وقت الحاجة .
ومعلوم للجميع بأن الجعجعة الأمريكية تشهد طحنا من وقت لأخر !!
وفي خضم صراع الأرادات بين القوى الكبرى عبر حروب بالوكالة ، يجدر التنبيه بأن واشنطن وموسكو يمثلان الحواضن البيولوجية للأشخاص المسؤولين عن يئس هذا العالم ؟؟
فالولايات المتحدة الموكلة بأمن دول العالم وكما يزعم البعض أعلنت اليوم أنسحابها من منظمة اليونسكو المتعلق بالمساهمة بإحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية !!!!
وهنا يكمن السؤال الجوهري .. كيف لواشنطن التي تزعم الحفاظ على السلم العالمي أن تنسحب من منصة عالمية تسعى لأحلال السلام ؟؟
سؤال لن يروق لجيش المطبلين للشيطان الأمريكي ، ولكنه سيدغدغ مشاعر أتباع الشيطان الروسي على أعتبار الشيطان الروسي يدعو إلى عكس ذلك ؟؟
أما وبالنسبة للرهان العربي الخاسر على الأنخراط في صراع الأرادات ، والمتأمل بقطف ثمار الشرخ الشاسع بين مراكز القوى فيؤسفني القول بأن القافلة تسير و…….. ؟؟؟
فعندما يجتمع الكبار لا يتم دعوة أحد لحضور تلك اللقاءات المصيرية !!