اسليدرالأدب و الأدباء

صديقة من العالم الآخر

احجز مساحتك الاعلانية

باسم مصطفي

احترق الأخضر واليابس ومال شقي الأيمن وماتت الابتسامة داخلي يوم فارق أبي الحياة كان الحياة بأسرها لي كنت ملهمته وحبيبته وابنته كان يدللني لأني الوحيدة بين أربعة أشقاء ذكور كان مصرا على تعليمي رغم معارضتهم رغم بساطته وعرف بلدتنا الصغيرة كان يقف لهم بالمرصاد

• زينب سوف تكمل تعليمها وإن كلفني ذلك ما يفوق قدرتي
بعد أن انتهت أيام العزاء والحداد نهشت همسات اخوتي أذناي وقلبي فقد اجتمعوا وما كادوا يفعلون أبدا على تصحيح ما بدا لهم خطأ من البداية ولكني بدءا من الليلة السابعة على وفاة والدي كنت اشعر به في جنبات البيت أشعر به يحيطني اينما ذهبت حتى في نومي كنت أشعر به جالسا عند طرف السرير يشاهدني

كنت أراه في أحلامي كثيرا ولكني لم أتبين أو أصغي الى كلماته كان غاضبا الى أن جاء إخوتي ذات ليلة وأبلغوني أنهم اكتفوا من تعليمي وأن أول خاطب يدق بابنا سيكون مرحب به وخرجوا وتفرقوا وخرجوا معها من قلبي وانهالت دموعي تصادق وجنتي وتحيلهما الى منحنيات ونتوءات يسيل بينهما دموعي الساخنة وخيبتي وهواني

وغفوت بعد نصب شديد وسمعت خطوات أعرفها آتية نحو غرفتي وفتح الباب كان أبي يقف غاضبا كما لم أتعوده من قبل اشار نحوي بعصاه قائلا

• امسحي دموعك يا ابنتي سيأتون ويستجدون رضاك
واستيقظت من غفوتي متحاشية بكفي ضوء الشمس الذي غمر الغرفة وقبل أن أضع قدمي على الأرض سمعت خطوات لاهثة تصعد الى غرفتي وجدت أخي الأكبر لاهثا كأن أحدا يتتبعه يبتلع ريقه بصعوبة ويقول

• انصتي يا زينب لن آبه بعد اليوم لأحد ستتعلمين كما أراد أبي رحمه الله ان كان مجموعك لا يرقى لجامعة بالقرب منا سأدخلك جامعة خاصة لا تحملي هم
وانصرف كأنه يبلغ رسالة وابتسمت وقبلت صورة أبي واحتضنتها طويلا

التحقت بمعاونة أخي الأكبر بجامعة خاصة بمدينة السادس من أكتوبر وبصعوبة بالغة أقنعت الجميع بمكوثي بإحدى بيوت المغتربات اخترتها بعناية وسط الكثير منها التي يعج بها ميدان الحصري كان الأمر جديدا ومختلفا كانت الدار أغلى قليلا من مثيلاتها ولذلك كانت الغرفة تضم ثلاثة فتيات فقط تعرفت على رفيقتاي في الغرفة نهى وشيما كانت الأولى مصرية والثانية تونسية كانتا فرحتان بي كانت نهى تدرس بالسنة الثانية بكلية الاعلام أما شيما فكانت تدرس الاخراج بنفس الكلية بينما التحقت أنا بكلية الآداب قسم لغة انجليزية كانت الأمور تسير على ما يرام ولكن سرعان ما تعرفت بحدسي على طبيعة وشخصية كلا منهما

كانت نهى تحلم أن تكون مذيعة وقد أعدت نفسها لذلك فهي ترتدي ملابس قصيرة نوعا ما تضحك دون تحفظ تضع مكياجا كاملا طوال اليوم تسير بخطوات متمايلة كانها أمام الكاميرات أما شيما فهي كوميدية أيضا تعشق المرح متحررة أكثر لأنها تتحدث عن المسكوت عنه بفضفضة وتفاصيل غير مبالية وتضحك من رد فعلي على كلامها هي تتمنى أن تكون مخرجة أفلام وثائقية تتحدث عن حلمها وعن وطنها كثيرا الكاميرا الرقمية لا تفارق يدها تهوى تصوير اي شيء وتدخل عليه عن طريق حاسوبها تعديلات كالمونتاج بينما اخترت اللغة الانجليزية لعشقي الدائم للقراءة كنت شغوفة بالكتب المترجمة منذ الصغر تأقلمت مع حياتي بشكل سريع ومثير لم اتوقعه أنا مالت علاقتي برفيقتاي في الغرفة الى الى شكل وسطي لا يتجاوز ما هو عليه كنت أقضي وقتي في حديقة تابعة للسكن أحب العزلة والقراءة الى أن تناهى الى مسامعي صوت بجانبي

• أنا أيضا مثلك أحب العزلة لا أكترث لبضعة فتيات تافهات
تلفت جانبي لأجد فتاة بيضاء جميلة تعكص شعرها الى الخلف كديل الحصان عيناها واسعتان أنفها طويل رقيق على جانبيه نتوءات تدل على انها ترتدي نظارة طبية لوقت طويل

اجبتها مباشرة انهن لسن تافهات وهذا ليس سبب عزلتي وووووو
اعترضت كلماتي مبتسمة وآسفة وعللت كلماتها أنها شاهدتني أكثر من مرة أجلس وكتابي فأحبت أن تتعرف علي ولم تعرف كيف تفعل واعتذرت وهمت بالانصراف الا اني خجلت فطلبت منها البقاء ان ارادت

وكأنها كانت تنتظر هذا فجلست وتحدثت واسهبت  والحقيقة لا أعلم لما أحببت الاستماع لها دون تململ او كانها أخذتني بعيدا عن عالمي الى عالم افتراضي واسع لا يوجد به غيرنا انا وهي فقط  والغريب انني خرجت من حديثها الشيق الطويل بعدما أعادت لي عالمي الواقعي بمعلومة واحدة فقط اتذكرها هي اسمها سمر عاصم
عدت الى غرفتي متأخرة عن عادتي فوجدت رفيقاتي وقد أكل منهما القلق فأخبرتهم انني كنت جالسة مع صديقة جديدة وقد سرقنا الوقت ولم اشعر به تعددت لقاءاتي بصديقتي الجديدة كثيرا حتى تعلقت بها حتى أخبرتها انني اعتبرها صديقتي الأقرب بل والوحيدة فدهشت لاتساع عيناها وابتسامتها بينما تردف قائلة بل الى الأبد ان أردتي ذلك فضحكت وقلت للأبد موافقة ابتسمت ثانية وقالت اختيارك لا رجوع فيه هل تدرك ذلك ؟

هل أنت مستعدة لتكوني صديقتي للأبد فأجبتها بالموافقة فأعطتني ما تعكص به شعرها وطلبت مني الا أفرط فيه أبدا ووعدتها بذلك
عدت لغرفتي كالعادة ووجدت رفيقتاي تجلسان وعلى وجهيهما امارات الانزعاج البالغ فسألتهما
أخبرتني نهى أن بعض الزميلات يخافون مني  صرخت أنا ولكني
أردفت نهى يقولون أن بك شيء وأنك تجلسين طويلا تتحدثين الى اللا شيئ هل أنت متعبة أو مرهقة أو
قاطعتها انني لا أتحدث سوى مع صديقتي الجديدة فقط لا الى نفسي
سألت شيما من هي؟

قلت لا أعتقد انكما ستعرفاها هي منعزلة عادت لتسأل ما اسمها ؟

قلت سمر سمر عاصم خيل الي أن نهى تجمدت في مكانها بينما شهقت شيما بفزع متمتمة بخفوت البنت التي ماتت العام الماضي
لم أتوقع انني طوال هذه المدة كنت أتحدث الى شبح فتاة ميتة ثم دارت مشاهد لقاءي بها ولاحظت ما كنت مغمضة عنه انها لم تشرب شيئا أمامي كان هناك أثر بجانبي أنفها ولما سألتها عن نظارتها قالت أنها فجأة لم تعد بحاجة اليها وأن بصرها أصبح قويا جدا لم تقبل دعوتي أبدا على تناول الطعام لم تصلي معي وتتناوب الأعذار أخبروني أنها ماتت منتحره

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى