إن أحد الأصدقاء طعن في صحة المصاحف التي بين أيدينا اليوم؛ مدعيا أن التحريف دخلها -حسب قوله- من مصحف امتنع صاحبه إعطاءه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان باليمن ، ولقد أخذ صديقي يشرح لي، ودلني على الكتاب الذي أخذ منه معلوماته التي يجادلني بها، ولكن كان قد أثار غضبي وامتنعت عن الإذعان إليه، وبهذا كتبت مستفتيا سيادتكم عن هذا وطالبا منكم إمدادي بمعلومات عن نقل القرآن؛ لأنني أتعرض لمثل هذا، بحكم انتمائي لجماعة تبليغ؟ ج: القرآن كلام الله جل وعلا، أخذه جبريل عن الله، وقرأه
على محمد صلى الله عليه وسلم، واستمعه محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل ، وأخذه منه كما تكلم به الله جل وعلا، وحفظه الله تعالى في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } (1) { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } (2) { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } (3) { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } (4) وقال ابن جرير رحمه الله في تفسيره: (اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } (5) فقال بعضهم: قيل له ذلك؛ لأنه كان إذا نزل عليه منه منه شيء عجل به يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به فإنا سنحفظه عليك.
وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك أنه كان يكثر تلاوة القرآن مخافة نسيانه، فقيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه، ونقرئك فلا تنسى (6) انتهى، وقال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (7) والذكر: هو القرآن، وقد حفظه الله على المسلمين وتلقاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كتابة وحفظا، وبلغوه الأمة غضا طريا لم يدخله شيء من التحريف أو النقص، وقد جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته بواسطة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ثم جمعه عثمان في خلافته على حرف واحد لئلا تختلف الأمة في ذلك، ومن قال: إنه غير محفوظ أو دخله
__________
(1) سورة القيامة الآية 16
(2) سورة القيامة الآية 17
(3) سورة القيامة الآية 18
(4) سورة القيامة الآية 19
(5) سورة القيامة الآية 16
(6) [تفسير ابن جرير] (29 / 187).
(7) سورة الحجر الآية 9
شيء من التحريف أو النقص فهو ضال مضل، يستتاب فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله مرتدا؛ لأن قوله يصادم قول الله عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (1) ويصادم إجماع الأمة على حفظه وسلامته، ولهذا أنكر علماء المسلمين على الشيعة الباطنية زعمهم أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين ناقص، وأن الذي عندهم هو الكامل، وهذا من أبطل الباطل. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.