اسليدرالأدب و الأدباء

شمعة…

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم هديل بلقيدوم

لم يكن ينقص في تلك الليلة الشتائية

العاصفة والمخيفة إلا أن تنقطع الكهرباء،

ويتحول البيت وكأنه سفينة تلاطمها العواصف.

حتى ذلك الحين لم أكن أعرف

أن للظلام أيضاً إحساس جميل يضيفه على أرواحنا،

فقد أسرعت العائلة نحو الصالة،

وبدأت أمي تواسي خوف أختي الصغيرة؛

وجدت بعد قليل من البحث

شمعة مهملة من آخر المناسبات.

جلسنا حول المدفأة،

أحضر أبي شيئا مهملا من الماضي البعيد،

الفانوس الذي رافق الأُسر في لياليهم الماضية،

صارت الوجوه أوضح،

وبدأت الأحاديث تنسج وتحلو لعلها تطمئن قلوب الصغار

وفي بعض الأحيان يتخللها شيء من الضحك الفاتر

يقطعها قصف رعد أو لمعة برق أو زوبعة مطرية.

كان الحديث أجمل على نغمات الريح،

ورقصات الأشجار،

ها هو أبي يتخلى عن سماع أخبار العالم

ويجلس ليستمع لحكايات أختي الصغيرة

على معلمات المدرسة،

لعله يدفئ قلبها بقليل من الطمأنينة،

أو ينسيها هذا الجو غير المألوف.

هاهو الظلام يحررنا من قيود المدينة والحداثة،

ويفك أيدينا من سلاسل الكومبيوتر

وقيود الهواتف والتليفزيون،

ويزيل الأسلاك الشائكة بيني وبين غرف أخواتي.

أختي الكبيرة تخلت عن دور المستمع

في برامجها المفضلة

وهاهي تجلس أمامي تستعرض قدرتها في النقاش،

يتدخل أبي ببعض الجمل؛

ثم يعود متابعا أحاديثه مع أختي الصغيرة

يروي لها حكايات الماضي أيام الفانوس وموقد الحطب.

فيما بعد بدأ الهدوء ينساب على الجلسة

وأغلقت بعض جفون الجالسين،

فأمعنت النظر في تلك الشمعة

محاولة أن أقول لها اصمدي،

أرجوكي لا تذوبي قبل أن تعود الكهرباء.

كانت الشمعة كوجه المرأة الباكي

تنهار منها الدموع لكى تتجمع بالأسفل

لتظل شاهدة على ذكراها،

النظر للشمعة يخبرك أنها كانت تبث الحياة و الحب في الأُسر جميعا،

لكنها ضاعت كما ضاع الحب بين أضواء أجهزة الكهرباء،

استطاعت الشمعة أن تلم العائلة أكثر من مرض أختي

و أكثر من كل وجبات الحلوى التي كانت توضع على الطاولة،

لقد جعلت عائلتنا كعنقود عنب،

و فجأة عادت الكهرباء وانفرط عنقود العنب،

وذهب نور الشمعة مع أنها مازالت تشتعل

وفر الجميع إلى غرفهم وعاد صوت التلفاز

ويبث إزعاجه في كل مكان،

وجلست أنا وحدي بجانب الشمعة أقدم اعتذاري لها

فقد ذهب الجميع دون أن يقدم لها أي أحد كلمة شكر،

بعد لحظات ذابت تلك الشمعة

وذابت تلك الأحاديث التي جمعت كل الأسرة.

وفي اليوم التالي اشتريت شمعة أخرى

وتمنيت أن يزورنا الظلام مرة أخرى دون أي متطفل كهربائي

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى