بقلم ( طارق فريد .. كاتب وشاعر )
من المرات القليلة التي نهضت مصر فيها وصارت في مصاف الدول المتقدمة كانت فترة حكم محمد علي منذ عام 1805 وحتى عام 1848 والكثيرون اشادوا بمحمد علي لكنهم تجنبوا الحديث عن سياسته الاحتكارية التي احتكرت الزراعة والصناعة والتجارة وجعلتها ملك الدولة المصرية بما لها من مزايا جعلت مصر تعيش ازهي عصورها العسكرية والاقتصادية وما احوجنا الان الي تطبيق هكذا سياسة مع حفظ الملكية العامة للافراد وتسخيرها قانونا لصالح خدمة الدولة والمواطن بالمقام الاول او على الاقل يكون اقتصادنا موجها مختلطا يجمع بين بدلا من حالة الاهتراء الذي يعيشه في ظل الاقتصاد الحر المبني على المشروعات الهامشية التي تصب في جيب رجال الاعمال او المستثمرين الاجانب وتذهب حصيلتها لصالح المقتدرين والاثرياء من المواطنين فلماذا لا تقوم الدولة بامتلاك مشروعات اقتصادية عملاقة وليست انشائية تعود بالنفع مباشرة الي الفقراء من هذا الشعب الذين يقل الدخل الشهري لاسرهم من اصحاب المرتبات والمعاشات عن الف جنيها مصريا ؟ ان الدولة بحاجة الي فرض هيمنتها الاقتصادية بقوة بعيدا عن اصحاب المليارات الهادرة في مشروعات لا تخدم الشريحة الكبري من المواطنين لهذا الشعب حتى لو استعانت بالقوات المسلحة التي اثبتت كفائتها ونزاهتها في الفترة القليلة السابقة من خلال انشاءات وتوسعات وجسور لطرق برية وبحرية ناجزة كما يمكن للدولة وبسهولة السيطرة بفرض قوانين لازمة على الرقعة الزراعية بتوجيه الفلاحين وتوفير كل احتياجتهم والعمل على استصلاح المزيد من الاراضي الزراعية لتعويض مافقدته في عمليات التبوير المتعمدة والزحف العمراني …
ان حالة من الانفصام او ( الشيزوفيرنيا ) تسود الطبقة العليا بالبلاد من اهل النخبة ومدعي الفن والثقافة والاعلام السافر الصارخ فالكل يصرخ ويسب ويجادل من اجل الوطن وامن وامان المواطن ولا احد من هؤلاء تطرق الي الامن الغذائي الذي يعد اساس بناء منظومة الامن الوطني والقومي لاي دولة وعلى هؤلاء الرجوع الي ازهي عصور مصر الاقتصادية والعلمية والعسكرية ليتعلموا منها كيف بنى محمد علي مؤسس مصر الحديثة دولة كبرى في الشرق امتدت من مصر الي الشام والحجاز واليمن وحتي البحرين وجزر المتوسط.. لقد بدا محمد على في تاسيس دولة كانت متهالكة وفقيرة اقتصاديا وعلميا ولا تختلف كثيرا عن دولتنا الان فبدا بالاقتصاد والتعليم وكانت تجربته مع البدو وقطاع الطرق ناجحة للغاية بعد ان حولهم الي طبقة منتجة بالمجتمع فظهروا في عهده كقوة جديدة مستقرة ليعيد توطينهم على اسس عادلة ووزع الاراضي على الفلاحين واستوعب الصبية والشباب الصغير الذي كان يجد باعمال البلطجة والفتونة ارتزاقه الوحيد فالحقهم في مدارس مهنية وصناعية خاصة فكسب حب المصريين رغم استبداده بالسلطة ويا ليت الجميع يحزو حزو الطريقة العلاجية التي اتبعها محمد علي في اعادة بناء دولة كانت نسبة الفقر والامية فيها تصل الي 97% دولة فصنع دولة ارتقت خلال عشرين عاما ووصلت الي مصاف الدول المتقدمة … وفي العصر الحديث ومن حولنا تكررت التجربة في كوريا وسنغافورة وتايلاند والفلبين وماليزيا وتايوان فقد نمت هذه الدول رغم قلة مواردها بفضل التعليم الصناعي وليس الجامعي ومن الدول العظمي تاتي التجربة الالمانية احد اقوي واهم الصناعات في العالم بعد خروجها منكسرة ومهزومة في الحرب العالمية التانية بصحبة اليابان المقهورة نوويا من ضربة الولايات المتحدة .. تلك الدول بحكوماتها استوعبت شعوبها فدانوا لها بالولاء والطاعة !! ( طارق فريد)