النص الشعري نسيج مموسق من الكلمات الموحية التي تحوي المعاني في ذاتها ، فهو كتابة ساحرة ، أو كتابة كأنها السحر . وهو بمعناه الأدبي : نسيج من الألفاظ بجمالية الإرتياح وعمق النسيج ، وعبقرية الخيال ، فهو بنية دلالية تنتجها ذات ، ضمن بنية نصيّة منتجة ، تتحدد زمنياً بسبقها على النص ، سواء أكان هذا السبق بعيداً أم قريباً ، كما أنها مستوعبة في إطار النص ، وعن طريق هذا الإستيعاب ، أو ( الضمن ) يحدث التفاعل النصي .
هذا وقد تطور النص ودلالاته في اللغة العربية الفصحى – في العصر الحديث – نرى أنه في أبسط أشكاله: عبارة عن مجموعة من الكلمات ضمن تصرُّف لغوي معروف ، سواء أكانت مكتوبة أم ملفوظة ، ويمكن أن نلحظ أن دلالة النص هذه لم تعد محصورة في النص الأدبي فقط ، بل غدت شاملة فنون التعبير الفني الأخرى ، أياً كانت ، مقروءة ، أم مسموعة ، أم متذوَّقة بملكة الإدراك الثقافية . ومن هنا ظهر مصطلح : ( النص الفني ) الذي يشمل كل الفنون بما فيها الأدب . قال محمد فتوح أحمد : ( إن مانريده تأكيد أن الظاهرة الأدبية شأنها شأن أي نشاط فكري – غير منقطعة الصلة بالماضي وإنها تستمد من التراث بقدر ماتستجيب لظروف العصر ، وإن كل تحديد مقيد – بحكم انتمائه إلى بيئة معينة ، بقيم تاريخية واجتماعية تسيطر عليه وتوجهه توجهاً يقل أو يكثير)
في هذا يبدو التراث قوة خفيِّة توصل اللحظة الراهنة للشاعر أو الكاتب بآثار سلفه من الشعراء والكُتَّاب .
ووجدنا مثلاً أن خُطى البارودي تركت على رمال الشعر العربي آثاراً ترسَّمها من تلاهُ من الشعراء ، ولم يفلت منها شوقي ، الذي جمع إلى فحولة الملكة الشعريِّة حساسية فائقة بأسرار النغم الموسيقي . هذا ما أقرَّهُ العقاد حين قرر أن البارودي ( ردَّ إلى المعاصرين يقين القدرة على مجاراة العباسيين والمخضرمين والجاهليين في ميدان اللغة . والتركيب بما أتقن من معارضتهم في المذاهب… )
نرى – إذا رآعينا – أن الرمزية في أخريات القرن التاسع عشر وهي الفترة التي شهد شوقي طرفا منها في فرنسا ، إنها كانت تسيطر على أقلام الكثيرين من الكتَّاب والشعراء الفرنسيين ، وتلهج بها الألسنة والمنتديات الأدبية ، فلم نستبعد أن يكون شوقي سمع عنها وقرأ خلال رحلته ما أتاح له التأثر بنماذجها تأثراً جزئياً عابراً ، ويمكن أن نلمح ذلك في ” نشيد الموت ” في مسرحية ( كليوباترا )
ياموت مل بالشراع
وأحمل جريح الحياة
سر بالقلوع السراع
إلى شطوط النجاة
شراعك الفضي
في لجة التبري
كالحلم في الغمض
يجري ولايجري
في ظل ليل ساج
أقسم لايسري
مغلل الديباج
مطيب الستر
في يفظة يظهر
لي أم أرى حلما
فلك من الجوهر
يخترق الظلما
على الدجى لمَّاح
تحسبه نجما
ليس به ملاح
يسلكه اليما )
ومع ذلك نقول : إن شوقي لايمكن زجه في إطار مذهبي حاد ، فلا شك أن تأثره الرمزي – على افتراض وجوده كان جزئياً – كما أسلفنا ، يظهر في نماذج نادرة من شعره ، سطحيِّاً يظهر في التعبير ، ولا يتغلغل في ثنايا الفكر والوجدان بحيث يشكل نظرية في الشعر أو نظرة إلى الوجود…
* شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي – العقاد – ط 1 * مصرع كيلوباترا – شوقي – المكتبة التجارية القاهرة 1954م