بقلم / أ : مصعب أبوبكر أحمد
هذا وقد تطورت الصورة الشعريّة تطوراً ملحوظاً في الشعر ” الحديث ” ، ومما لا شك فيه إن هذا التطور مرتبط بتغير النظرة إلى الشعر ذاته ، وعلى نحو منسجم . ومفهومه الحديث القائم على الكشف الجديد ، وتغويض بناء عالم قديم وبناء عالم جديد على أنقاضه ، والإبتعاد عن المتواتر وإضفاء التجانس الكوني على العالم حين جعل الشاعر مشكلات الحياة محيط عالمه الجمالي ، فهو يعيد بناءها ويكشف لنا عن وجودنا أكثر بكثير مما نعلم .
وليس من الطبيعي أن تنتشر حركتهم في تطرفها ، وبقيت آثار منها تجلّت في محورين : الأول العلاقة الوثقى مابين الشعر الحر والصورة ؛ لما يصنعه الشعر الحر من سلاسة في الروح التصويري على شكل ينقذ القصيدة . أما المحور الثاني : مابقي ماثلاً من دعواهم إلى أن يكون التصوير واقعياً ، مع انحسار فكرة النقل الحرفي .
هذا وقد ارتبطت الصورة في خصائصها أيضاً بنمط البناء ، وطبيعته ، فالصورة في القصيدة الغنائيّة هي غيرها في الدراما مثلاً . هكذا تتضح وتتبلور خاصيّة الصورة الحديثة وطبيعتها البنائيّة في الشعر الحر عند الغربيين ، والإلماح إلى خصائصها وعيوبها المأخوذة من نقدهم لها ، وما احتلّته من مكانة خاصة عند الشعراء الصوريين جعتلها محوراً لحركتهم الشعريّة خلّفت آثاراً وراءها سلباً أو ايجاباً بتطور القصيدة الحديثة ، وتدفق قدرتها ووسائلها في ظل متغيرات العصر والثقافة .
ويمكن أن نلمح فيما حاول نقادنا إثارته من فهم للحداثة الشعرية وسماتها الفنيّة ، يمكن أن نلمح موقفين : أولهما بدأ معتدلاً في الأسس التنظيريّة التي اشترط توفرها لتحقيق سمة الحداثة الشعريّة في القصيدة ، ودور الصورة فيها ؛ حين رأى أن القصيدة الحديثة هي محاولة لإعادة الواقع في الفن ، ومنح العالم سمة التجانس الكوني بخلقها لواقع جمالي جديد . وأن الصورة تعبير عن حس وشعور وموقف. أما الثاني : فتطرّق إلى ربط مفهوم الحداثة بالرؤيا من حيث هي تفتيت للعالم الخارجي ، وتحويله إلى رموز ، وإشارات تجريديّة ، ورفض المستوى الموضوعي في العلائق الفنيّة وتحويلها إلى شيء غير منظور ، لايرتبط بوشائج من الواقع العربي بجوانبه المختلفة ، والإستعاضة عن هذا الواقع بعالم معدوم ، فيزيقي في المضمون ، وآخر جمالي في الشكل ، يتخذ من التجريب متاهة لا حدود لها .