ويبدو أن الصورة الشعريّة قد توحدت شعرياً في القصيدة الحديثة ، فصار الشعر هو الصورة ، والصورة هي الشعر، وكان على النقد الأدبي مواكبتها في طبيعتها الجديدة هذي ، وأن يترك التجزئة في دراسة النص الشعري . ونحسب أن الخطأ الذي يقع فيه الشاعر في القصيدة ” الحديثة ” : التقليل من شأن الوزن والقافية يدفعه إلى الإمعان في التركيز على “الصورة” ، في محاولة منه للتعويض ، شكليّة في كنهها ، مما يوقعه في أسر جديد ، ويفرغ الصورة من قيمها البنائية العضوية ومحتواها الفكري والجمالي والخيالي في القصيدة .
وبدت الدلالة الحرفية للصورة سائرة في أشعارهم ، فكان دأبهم الأول أن يكونوا رسامين ينقلون حسهم بشيئية الأشياءالتي هي عليها في الواقع الحسي والمادي ، لا أن ينقلونها محاطة بهالات من الإيحاءات والرموز : ( لو قرأ التصويريون تلك الرسوم الدقيقة التي خلفها لنا ابن الرومي عندما صور الأحدب أو قالي الزلابية ، أو غيرهما لعدوه إماماً لمذهبهم ، لأن ابن الرومي لم يكن يعنيه إلاّ النقل الدقيق لمثل تلك المناظر ، دون أن تكون له غاية إيحائية من ذلك النقل ) .
ونلمح في حرصهم على النقل الدقيق للصورة دعوة إلى واقعية التصوير ، وتأكيد البداعة في المحاكاة ، إيماناً بوحدة الفنون ، وتحقيقاً للمرمى الجمالي من الفن ، والحرص على التصوير الطبيعي لما هو مألوف وغير مألوف ، ساعدهم على هذا مادعوا إليه من استعمال للغة المحكية ، وميلهم الجارف إلى ” الشعر الحر ” لما يحققانه من حريّة يصبون إليها .
* عبد الوهاب البياتي والشعر العراقي الحديث – إحسان عباس – ط1 بيروت – 1955م