مقالات واراء

سلسلة مقالات نقدية ” مهمة الأدب وصياغة الموضوع الشعري

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم / أ مصعب أبوبكر أحمد

وعلى صعيدٍ ذي صلة يُعد كتاب ” البديع ” لإبن المعتز ، من المصادر المهمة في تبيين فنون البديع ، وتفسير الشعر . ويقول صاحبه : ( ولعل بعض من قصر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ، ستحدثه نفسه وتمنيه مشاركتنا في فضيلته فيُسمي فناً من فنون البديع بغير ما سميناه به ، أو يزيد في الباب من أبوابه كلاماًمنثوراً ، أو يفسر شعراً لم نفسره ، أو يذكر شعراً قد تركناه ولم نذكره )
يرى أنه لم يسبقه أحد في تدوين البديع ، حيث ألفه سنة : أربعة وسبعين ومائتين . لكن “زكي مبارك ” لا يوافقه على ذلك ، فقال في كتابه ” النثر الفني ” : ( ونتيجة ماسلف أن العرب في جاهليتهم اهتموا بالنثر الفني اهتماماً ظهر أثره ، وعرفت خواصه في خطب الخطباء ورسائل الكُتاب ، ولكن ماعرف عن العرب من اهمال التقيد والتدوين لشيوع الأمية فيهم أضاع علينا معرفة من اهتموا بتدوين البديع ، فكان من ذلك أن شاع الاعتقاد بأن ابن المعتز هو أول الكاتبين في هذا الفن الجميل )
هذا الحديث لا يغير من الحقيقة شيئاً ، لأنه تركز حول اهمال التقيد والتدوين عند العرب لجاهليتهم ، وطالما أهملوا التدوين ، ودوَّنه ابن المعتز فهو إذن أول من دوَّن البديع .
وقد سلك في كتابه هذا منهجاً علمياً دقيقاً ، لايكاد يخالفه إلى أن فرغ من تأليف الكتاب ، بجانب ايراده لشواهد الاستعارة بالشعر ، من مثلراستعارة امريء القيس :
وليل كموج البحر أرخى سدوله
عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف اعجازاً وناء بكَلكلِ
فعلق على هذا تعليقاً بلاغياً : ( هذا كله من الاستعارة لأن الليل لا صلب له ولا عجز )
على أنه لم يكن يعلّق مثل هذا التعليق في كل شواهده . غير أننا نقول إنه كان يعلق أحياناً على الشواهد تعليقاً لُغوياً لا تعليقاً بلاغياً ، ففي تعليقه على بيت زُهير بن أبي سُلمى :

إذا استمحت حربُ عوانٌ مضرّة
ضروسٌ تُهِرُّ الناسَ أنيابها عُصْلُ
( فتهر ( بضم التاء ) أي تحملهم على أن يكرهوا ) يقال : هرِّ فلان كذا ، إذا كرهه ، وأهررته أنا : اذا حملته عليه .
وكما ترى فمنهج ابن المعتز في التأليف سهل ليس فيه التواء أو تعقيد . والحق أن كتاب البديع أُلف في الوقت الذي لم تنفصل فيه البلاغة عن النقد ، إلاَّ أن ناحية البلاغة كانت أعظم وأوضح ، أما ما جاء فيه من نقد فهو من نوع ذلك النقد الساذج البدائي ، المنبني على الذوق غالباً مع شيء من التعليل الموضوعي ، الذي لم يصل فيه درجة الاستقصاء ، ولم يصل فيه الحكم المبني على قواعد وأُصول . وبالرغم من هذا فقد أثّر كتاب البديع بمسائله البلاغية في النقد الذي جاء بعده ، والذي اعتمد على البديع وجعله أساساً لمقاييسة .
* كتاب البديع ، ابن المعتز ، المقدمة .
* النثر الفني ، زكي مبارك ، 1ج ، ط2
* ديوان امريء القيس
* ديوان زهير بن أبي سُلمى

Related Articles

Back to top button