الأدب و الأدباءاهم المقالاتحصرى لــ"العالم الحر"

” سكر بره ” أحمد زكريا الأمير

أليس هذا ما خلقنا لأجله

سكر بره أصحو كل يوم في السادسة صباحا تقريبا و بعد دورة حياتية قصيرة تدور ما بين

المطبخ و المرحاض ثم المطبخ مرة أخرى ثم كوب الشاي الذى أعامله معاملة الصديق الصدوق الذى يدعمني دوما وقت الشدة جدا ربما يفوق دعمه كل الدعم الذى حصلت عليه من بشرى يوما في حياتي كلها ، و عن استعدت لحظات الانكسار و الضيق في حياتي لن أجد بجواري غير كوب من الشاي الساخن ، هل تدرك يا صديقي العزيز ما معنى أن تكون ممتنا لكوب شاي فقط ، هذا يعنى الكثير أولا أنك لست ممتنا لإنسان على كوكب الأرض ربما نفسك التي بين جنبيك تمثل حملا ثقيلا أحيانا و هذا لعمري لشيء يثقل الروح كما تثقل الحياة كواهلنا . الأمر جد بائس ربما لكنه مضحك حد السقوط أرضا ، لماذا ؟ ، لأنك و بكل وقاحة عليك أن تجابه الحياة كل يوم بعد كوب الشاي هذا تفتح باب شقتك و تنزل على نفس الدرج بابتسامتك بلهاء ذاتها لتركب المواصلات ذاتها بنفس تكرار الملل و نفس سخافات من حولك و لحظات جمع الأجرة التي تنتخب فيها كل يوم تقريبا لتكون المسؤول عنها و لحظات ركوب المترو التي ربما تتحول في أقل من الثانية لكارثة إنسانية و بعد الدخول ترى نفس الأوجه البائسة الناعسة التي بالكاد يبدو عليها صورة البشر و رائحة العرق و الأنفاس الخانقة و السجائر و سخافات النساء في الزحام و سخافات الرجال عليهن في الزحام و سؤال كل يوم الساذج لماذا تركب النساء عربة الرجال ثم الخروج من المترو و صعود الدرج الذى يبدو لك من بعيد كطريق مغلق ساعة الذروة ثم الوصول للعمل ربما متأخرا و تكدير المدير لك ثم تلقى تعليمات اليوم التي تكاد تكون أسطوانة بها عطب تكرر ذاتها كل يوم ثم الانصراف لتكرار نفس الأمر في الرجوع للبيت و لو ساء حظك سيتوجب عليك زيارة أحد المصالح الحكومية و هذا ما لا يطيقه بشر ، لماذا ؟ ، لأن ببساطة عليك أن تواجه ملل أحدهم حيث يمارس عليك كل سخافته قدر المستطاع و ربما ينتقم لذاته المقهورة بقهر غيره و ربما يتلذذ بذلك و ربما يثيره الأمر فتنتصب ذاته لتنتقم من فلان هذا الذى خذله أو ذاك الذى خانه أو تلك التي أحبها يوما و تركته أو ذلك الصبى الأرعن في حارته الذى يتقصده بالسوء أو زوجته التي تثقل عليه بالقول الجميع بين الرحى لكنها ليست بدفتين بل بدفات و دفات صنعتها الحياة بكل ما أوتيت من مازوخية لأسباب ليس لدينا الوقت أو العقل أو الوعى لتحليلها بالقدر الكافي الفلك يدور و لا يتوقف لحظة واحدة عن الدوران كذلك الحياة تدور و لا تتوقف لحظة واحدة و ربما انتقمت شر انتقام لمن توقف ليفهم ما يدور حوله ليعي بعض منه و يسأل ، أليس هذا ما خلقنا لأجله لنسأل و لنعرف و نتدبر هذا العالم ، يا سادة إنني لست ممتنا لأحد و لا لشيء لا أشخاص و لا حكومات و لا حتى لجماد فقط كوب الشاي هو ما أكن له الامتنان و لا حتى أكنه لنفسي التي بين جنبي لطالما كانت راضخة لما تصنعه الحياة ، يا سادة إن الحياة لا تحدث لنا فقط بل بإمكاننا أن نصنعها كما نصنع كوب الشاي في الصباح نثقله أو نزيد من سكره أو نضع بعض الحليب وفقا لإتزانات مختلفة كأمزجة البشر ، للحياة نكهات كالشاي تماما و لها حلاوة كالسكر و ربما تكون خفيفة رقيقة كنسمة الهواء أو ثقيلة كالشاي المغلي فلماذا إذا لا نصنع الحياة حسب أمزجتنا كما نصنع كوب الشاي ، لكن نصيحتي لك لا تجعل أبدا حياتك دون سكر أو ” سكر بره ” و لا تجعل أحدهم يصنع لك شايك حتى و إن كانت حكومتك ذاتها اكسر تكرارك الممل دع روحك لترى الشمس مرة و لا تجعل حياتك ” سكر بره ” .

احمد فتحي رزق

المشرف العام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى