اسليدرالأدب و الأدباء

ساعة شيطان

شيماء سليم

الغضب حيلة ووسيلة دفاعية بنعلن بيها للي قدامنا إننا فعلًا مُتألمين وساخطين على كُل شيء، لو دا اللي ممكن يوصل صوتنا ونحس بس إننا متشافين..

صديقة عزيزة كانت بتمُر بفترة قاسية من حياتها لأنها استقبلت أحداث كتيرة خلال سنين عُمرها بسكوت رهيب وبدُون ما تدي رد فعل لأي حد مهما كان اللي صدر منه مُؤلم لروحها، كانت بتخاف تغضب علشان عارفه إنها مبتقدرش تسيطر على غضبها وممكن تعمل كوارث بالمعنى الحرفي للكلمة لو بس سمحت لغضبها إنه يعلن ظُهوره!
لحد ما في يوم صحيت لقت نفسها جواها مشاعر غضب وغِل وكراهية مش مفهومين لدرجة إنها خجلت تبوح عنه لحد من أصدقاءها أو حتى أهلها، كان كل اللي مستغرباه إنها بما تحمله من سماحة وقُدرة عالية على المغفرة ممكن يبقى جواها غضب وغِل تجاه كُل حاجة حواليها بالشكل دا..
بعد شوية خوف جواها من المشاعر دي أو من البوح عنها لحد، قررت إنها تتقبلها!
قالتلي: لأول مرة أتعامل مع نفسي على إني بشر وزي ما جواه الخير، ممكن يتوجد جواه الشر وإن الغِل أو الكراهية أو حتى الغضب؛ هُم مشاعر إنسانية طبيعي ووارد نحسها ومش معناها دايمًا إننا أشخاص سَيئة ولازم نقيم على نفسنا الحد.
هي لما إتقبلت، سهلت على نفسها إنها تتخلص من المشاعر دي، واحدة واحدة قدرت تتملك من غضبها وتخرجه نيابة عن كل مرة حبسته ومقدرتش تفرغه بشكل صِحي حتى بينها وبين نفسها.
قالت: مش لازم كُل مرة أطلع حكيمة والسِت اللي مفيش زيها، لأ عادي أنا اتقبلتني بكل حماقاتي وتصرفاتي المتهورة وقت غضبي، بكل المساوئ اللي فيا وعمري.. عمري ما هسمح لنفسي إني أكبت شعور جواها لمُجرد إنه مش طيّب..
«عزيزتي: لا مانع أن تكونين وَغدة في رواية أحدهم لطالما كانوا هُم الأوغاد الآثمين دومًا بحقك!»
جُملة كتبتها بعد كام موقف مروا عليا، خلاصِتهم إن زي ما فيه حكايات كتيرة لبنات اتعرضت لخِذلان وتخلي وقسوة في بعض التجارب وقابلوا ناس أقل ما يُقال عنهم إنهم أوغاد ومُجرمين فـ هناك العديد من النساء إن شعرت بدُنو الخطر ناحية كرامتها وكبرياءها، ممكن تطلع منها أسوأ صورة متخطرش على بالك وتكون عملك الإسود في الدنيا لو بس قررت إنها تنتقم!
بتسأل في سِرك دلوقتي عاوزة أوصل لـ ايه صح؟
هقولك بس قبلها طولي بالك وإقرا معايا الكام موقف الجايين دول وانت هتفهمني..

– اتنين صحابي مخطوبين وبيحبوا بعض ومع بعض من أيام ما كانوا في حضانة، يعني كانوا جيران وأصحاب وزمايل من وهُم عيال صغيرة وكبر الحٌب ما بينهم واتخطبوا في الجامعة كام سنة، واجهوا كتير علشان يفضلوا مع بعض، صاحبتنا كانت الطرف الأكثر تضحية في العلاقة وعلشان مبقاش ظالمة، الإتنين كانوا مُضحيين لبعض بس هي كانت أكثر مسؤولية وتغاضِت عن حاجات كتير علشان المركب تمشي ـ زي ما بيقولواـ فركشوا كذا مرة بسبب طِباعه السيئة وبُروده اللامُتناهي تجاهها وتِجاه اللي بتقوم بيه علشان العلاقة تكمل (كانت عاملة زي الراجل اللي بيجهز نفسه علشان يتجوز، تشتغل بالساعات شغل مش أي بنت تتحمله لدرجة إني كنت بفتخر بيها وسط صحابي إنها سِت مُكافحة مع شريك حياتها وهي لسا بنت العشرين) كُل مرة كانوا بيفركشوا فيها وتقولي مش راجعة، كُنت أقولها :كان غيرك أشطر، مُستحيل!” مكنش تحدي مني أكتر ما أنا عِشت معاهم وشُفت قد ايه العلاقة دي مُميزة ومتنفعش تتهد في يوم وليلة، أصلها مش قصة يومين حلوين وخلصوا دُول عُمر؛ طفولة ومراهقة وشباب..
مَر وقت واتلهينا عن بعض فترة، كلمنا بعض وكل واحدة مكسوفة من التانية على التقصير ومخبية كسوفها بحجة المسؤوليات والظروف، حكت ليا عن شخص كويس متقدملها وبتفكر توافق عليه، ولما سألتها بإستنكار عنه قالتلي: مش هقدر أكون الكويسة المرادي.. مش هقدر أتحمل أكتر من كدا وأنا شايفة نفسي بضَحي بصِحتي وطاقتي وسنين عُمري مع واحد مش مقدرني ومُستسلم زيه، أرجوكي لو وافقت متشوفنيش وحشة زيه، أنا كبرت وعايزة أتسِند على راجل وأنا مطمنة، مش هفضل أسند لأخر العُمر “ملعون أبو الجدعنة!”
يوم خطوبتها نزلت صُورتها على الفيس بوك وكتبت “ما أكرمُهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”
الـ كابشن نفسه كفيل إنه يزود وجعه ضعفين، استنكرت التصرُف لكن بيني وبين حالي كنت مقدرة حسرتها على السنين اللي مرت، رغم ضحكتها وفستانها اللي كانت فيه زي القمر إلا إني عارفة ومتأكدة إن فيه جُزء جواها غضبان منه وبيلعنه على اللي وصلهم للنهاية دي.
بعد ما شوفت صورتها فتحت الواتساب، وبالصدفة لقيته منزل ستوري فيها كلام يخص صاحبتنا وكان ملخصه إهانة واضحة ليها..
من جوايا اضايقت، كنت عاوزة أقوله بقى النهاية تكون بالشكل دا؟
لكن سِكت، هو كمان كان موجوع وغضبان ودا تصرُف الغضب وجبروته..

الغضب كُتلة نار لو اشتعلت هتحرق كل حاجة حتى صاحبها، ساعتها مبيحسش أصلًا بالوجع قد ما بيحس برغبة شديدة في الإنفجار ورُبما الإنتقام.
لو سألتني: تفتكري مين فيهم الخَاذِل للتاني والوَغد في القصة دي، هقولك الإتنين في نظر بعض أوغاد وخاينين.. خاينين للوعد وللعشرة وللحُب اللي ما بينهم وللأسف الغضب عمى الإتنين وخسرهم حتى فكرة إنهم يتفارقوا بالمعروف.

– اتنين متجوزين “في أواخر الثلاثينات” وبينهم أطفال، متجوزين عن حُب ومحاربة أهالي وموال كبير علشان بس يبقوا في بيت واحد، رغم الخلافات والإختلافات اللي ما بينهم واللي كانت بتقرب توصل للطلاق إلا إن الحُب كان بيرُدهم عن إرتكاب مثل تلك الجريمة زي أي زوجين باقيين على الحب والعشرة والأولاد اللي هُم أهم منهم دلوقتي..
لحد ما في يوم حصل خِلاف كبير ما بينهم والشيطان كان مُتمكن من كل واحد فيهم، فـ صاحبنا قرر إنه يبعد ويتخلى عن مسؤوليته تجاهها هي والأولاد كنوع من التأديب والعِند، إحساسها بالغدر والتخلي خلاها تغضب وتثور وتقرر هي كمان إنها ترفع دعوة خُلع وبدأ كُل طرف يستخدم حد من الأولاد يبقى في صفه علشان يطعن بيه التاني والموضوع فعلا وصل لمرحلة مش لطيفة من الخصام.
لما صاحبنا هدي شوية حس إن بيته بيتخرب وإنه خسران في الحرب دي هو وأولاده اللي ملهومش ذنب بمشاكلهم، تراجع وحاول يصالحها ورغم إنها كانت بدأت تمشي في الإجراءات القضائية مع المحامي وتخطط لحياتها من غيره، أول ما جالها طالب فُرصة تانية وافقت!
كل جبروتها وقسوتها طول وقت خصامهم دابوا، استقبلته زي اللي بياخد طفله المُخطِئ في حُضنه وبيعتذرله هو كمان على غضبه الزايد.
اتصالحوا والمُضحك إنها جابتله هدية تعبر بيها عن أسفها وحُبها رغم إنه البادي وكملوا حياتهم عادي.
هتقولي سِت مجنونة وراجل مش حكيم؟
هقولك سِت زي أي ست، عندها حُب يساعي الدنيا بحالها، مش بس حبايبها
الست جواها طاقة حُب لو قدرتها عمرها ما هتخلص مهما غرفت منها بس يا ويلك لو جرحتها ولا دوست على كرامتها وتفاقم الغضب جواها!
في الوقت ذاته هي كائن ضعيف وهش، عبارة عن كُتلة من المشاعر ماشية على الأرض مهما كبرت عايزة تحس إنها مُدللة، طِفلة ميتسلبش منها ناسها
سِت فطرتها إتكونت إنها تكون في حماية راجل بتحبه يصونها ويحافظ عليها، يطمنها.. يطمن كل حتة مُترجِفة جوا روحها سواء كانت مِنهُ أو من ناس قبله.
السِت مهما قويت شوكتها وكبرت ونجحت ومهما كانت العيون عليها وتتمنى إشارة واحدة منها، فـ هي على أتم إستعداد إنها تتنازل عن كل غالي لو لقيت راجل يملى عنيها وقلبها، يدفيها، يكون هو الإيد اللي بتطبطب وتغطي وتداري عُيوبها ومساوءها مش ستارة بتكشِف وتعري أسوأ ما فيها فتتحول بقُدرة قادر لجبروت ماشي على الأرض.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى